أخر الأخبار

لا أمن ولا طمأنينة من دون جهاز شرطة محصن ضد الفساد – طنجة نموذجا...

*محمد العمراني

تزايدت في الآونة الأخيرة، وبصفة خاصة منذ تعيين عبد اللطيف الحموشي على رأس المديرية العامة للأمن الوطني، حدة الأصوات المطالبة بتوفير الأمن والطمأنينة في مدن المملكة، بعدما تملك الإحساس عموم المواطنين باستفحال الجريمة، وغياب الشعور بالأمن...

وكان لافتا أن اقترنت هاته المطالَب بتطهير جهاز الشرطة من جميع مظاهر الفساد والرشوة، وإسناد المسؤوليات للكفاءات المشهود لها بالنزاهة والاستقامة، والتي لم تأخذ فرصتها في تحمل المسؤولية، لكونها رفضت الانصياع لقانون" سيدي قاسم" الجاري به العمل على نطاق واسع داخل مختلف ولايات الأمن، إلا من رحم ربك...

اقتران المطالبة بالأمن مع مطالب إعمال مبادئ الشفافية وتطهير الجهاز الأمني من مظاهر الفساد، يجد حجيته في الصورة السيئة التي التصقت في ذهن المواطن عن هاته الإدارة، التي يفترض أن شرعية وجودها مقترنة بالسهر على أمن وطمأنينة المواطنين...

طبعا لا يمكن التعميم، هناك أمنيون نزهاء، يقاتلون من أجل الحفاظ على كرامتهم، ويستميتون في أداء مهامهم بشرف ونزاهة...

لكن المسؤولية تقتضي أن نصدح بالحقيقة في هاته الظروف، ونقول بأن الفساد ضارب أطنابه داخل جهاز الشرطة، وما المحاكمات و التوقيفات، والقرارات التأديبية التي يتم اتخاذها من حين لآخر، والتي زادت وتيرتها مع تعيين الحموشي، في حق العشرات من المنتسبين لجهاز الشرطة، إلا دليل على أن الأمور في حاجة إلى تقويم قبل فوات الأوان..

مع سقوط كل شبكة إجرامية، أو اعتقال تاجر مخدرات، ينتظر الرأي العام ما إذا كانت ستعصف بأمنيين، على خلفية علاقتهم بهاته الشبكات أو تورطهم في التغطية على أنشطتهم الإجرامية...

هذا الربط الميكانيكي الذي صار حاضرا في عقول المواطنين، يستمد شرعيته من الاعتقالات التي طالت العديد من رحال الشرطة في العديد من الملفات، والقاسم المشترك بين معظم هؤلاء المتورطين، هي مظاهر الاغتناء الفاحش التي تظهر  فجأة على العديد من رجال الشرطة بمختلف رتبهم، والذين لا يتحرجون في إظهار علاقتهم علانية بأشخاص تحوم حولهم الشبهات...

بمدينة طنجة، المدينة المخترقة بمافيا التهريب وبشبكات الإجرام المنظم، لا يحتاج المرء فيها لكبير عناء لرصد الفاسدين من المنتسبين لهذا الجهاز، ممن اغتنوا على حساب شرف هاته المهنة...

منهم من يوجد في رتب متدنية وأبناؤهم يدرسون في مدارس البعثات الأجنبية، التي ترهق كاهل الميسورين، فبالأحرى موظفين برواتب لا تتعدى 10.000 درهم...

ومنهم من اقتنى عقارات وضعيات، اجتهد في تسجيلها باسم أبنائه وزوجته وعائلته...

هناك من يمتلك مشاريع تجارية و خدماتية، من المقاهي إلى وكالات لكراء السيارات، حتى وإن قام بتسجيلها في ملكية الأقارب، فالجميع يعرف أنه مالكها الحقيقي...

منهم من يمتطي سيارات فارهة، تتجاوز أسعارها حاجز ال45 مليون سنتيم،  والمصيبة أنهم لا يتورعون عن استعراضها بشوارع المدينة...

الناس يعرفون المفسدين من رجال الشرطة واحدا واحدا...

يكفي ذكر إسم أحدهم بمقهى، أو مطعم، أو حانة، حتى تنهال عليك سيرته الذاتية، من خط سيره اليومي، مرورا بعلاقاته المشبوهة، إلى جرد مدقق بممتلكاته من عقارات وسيارات، وانتهاء بالوجهة التي يقصدها لقضاء عطلته السنوية، وغالبا ما تكون خارج أرض الوطن...

هناك عناصر تحوم حولها شبهات الفساد، اتُّخذت في حقها عقوبات إدارية، وفجأة تم إرجاعها لمواقعها من دون أي مبررات إدارية أو قانونية، ويكفي فتح تحقيق في ملابسات بعض الحالات للوصول إلى حقائق مرعبة...

الناس يتداولون نكتة تصف بدقة بحر الفساد الذي "يُمخمخ" فيه البعض من ضعاف النفوس المنتسبين لهذا الجهاز.

 تقول النكتة "أن عنصرا أمنيا تعرض لسرقة ما يناهز 200 مليون سنتيم من خزنته الحديدية ببيته، لكنه رفض التبليغ عنها، علما أنه يعرف السارق، مخافة افتضاحه، وتفاديا للتحقيق معه حتى لا يضطر  للجواب على سؤال من أين لك هذا؟"!!..

المصيبة هي أن العديد من هؤلاء الذين فاحت ريحتهم، وصاروا حديث الخاص والعام، بل حتى زملاءهم لا يكتمون غيضهم من ممارساتهم المشبوهة، ومع ذلك تجد المسؤول الأمني الأول بالمدينة يتصرف وكأنه غير معني بما يقال عن عناصره، التي هي تحت إمرته، وهو المسؤول عنها وعن تصرفاتها..

الأفظع من ذلك أنه يصادقهم، ويجعلهم من رجال ثقته و المقربين منه، وكأنه يريد توجيه رسائل لمن يهمهم الأمر، أكانوا من داخل الجهاز أو من خارجه...

ينبغي الجهر صراحة بحقيقة لا يمكن حجبها بالغربال:

بلادنا أمام تحديات أمنية كثيرة، معقدة ومتشابكة، يتداخل فيها الإرهاب مع الجرائم المنظمة، مع تهريب المخدرات...

ويستحيل مواجهة هاته التحديات من دون جهاز أمني متماسك، محصن ضد الفساد، ومحكوم بقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة، و"اللي فرط يكرط"...

 

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي 'tanjaoui.ma'

تعليقات الزوّار (0)



أضف تعليقك



من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

أخر المستجدات

تابعنا على فيسبوك

النشرة البريدية

توصل بجديدنا عبر البريد الإلكتروني

@