أخر الأخبار

حوار.. الطيب بوتبقالت يرسم ملامح العالم ما بعد زلزال كورونا (1/4)

طنجاوي
كل الأحداث والوقائع التي كانت تحتل الصدارة في وسائل الإعلام العالمية منذ بداية السنة الحالية تراجعت بشكل مفاجئ وراء ما أفرزته جائحة كورونا من تداعيات على كافة المستويات.
لقد تكاثرت التساؤلات والتحليلات حول هذا الموضوع، لكن بدون الوصول إلى أجوبة تقطع الشك باليقين.
ففي هذا الباب كان لنا لقاء مع الدكتور الطيب بوتبقالت، الخبير الدولي في علوم الإعلام والاتصال والمتخصص في قضايا التاريخ المعاصر، أستاذ بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة.
الأسئلة المطروحة على الدكتور الطيب بوتبقالت ـ ضمن هذا الحوار تدور بالخصوص حول التحولات المتوقعة للعالم ما بعد جائحة كورونا، وحول انفجار التظاهرات الأخيرة المناهضة للميز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية، وما إذا كان لظاهرة الميز العنصري في أمريكا وجه للمقارنة مع بعض الأحداث التي تم تداولها في مختلف المنابر الإعلامية المغربية في السنوات الأخيرة.
وفي هذا الحوار الذي نقدمه في أربعة أجزاء يبزر بوتبقالت أبرز التغيرات الطارئة بسبب الجائحة، وتفاعلاتها.

س ـ غيرت كورونا الكثير من حيوات الناس الطبيعية، وهناك الكثير من المراقبين والمثقفين الكبار على الصعيد العالمي يذهبون إلى أن العالم ما بعد كورونا سيعرف تحولات كثيرة وربما سيظهر نظام دولي جديد، هل توافق هذا الرأي أستاذ الطيب؟
ج ـ هذا سؤال وجيه جدا تفرضه الأوضاع الراهنة التي يمر بها العالم بأسره تحت هول الانتشار الكاسح لجائحة كورونا وما خلفه هذا الوباء السيار من ارتباكات عميقة في حيوات الناس الاعتيادية، وهو سؤال يخفي سؤالا آخر أكثر إلحاحا منه والذي يمكن اختصاره على الشكل التالي : متى ستتمكن البشرية من الخروج من نفق كورونا المظلم؟ وإذا كان من الواضح أنه لا أحد يملك اليوم جوابا قاطعا لهذا السؤال الأخير (على الأقل إلى حدود تاريخ إجراء هذه المقابلة معكم-20 شتنبر2020)، فإن هناك العديد من التكهنات والسناريوهات لما سيكون عليه العالم ما بعد كورونا، بما في ذلك احتمال ظهور نظام دولي جديد الذي أشرتم إليه في سؤالكم.

وقبل أن أبدي رأي الشخصي المتواضع في هذا الموضوع، لا بد من الوقوف عند أهم الاتجاهات التحليلية وفقا لترتيب أولويات الرصد في هذا الشأن، وطبقا لمنهجية التقرير التركيبي الذي تفرضه القراءة المتبصرة لسريان تفاعلات الأحداث وما يطفو على السطح من تأويلات تمتاز بقابلية التصديق. وعليه، فإن أول ما يسترعي الانتباه هو تركيز المحللين والمراقبين على الرجة المفاجأة للنظام الاقتصادي العالمي والانهيار الوشيك الذي أصبح يهدد الأسس التي بنيت عليها المنظومة السوسيواقتصادية العالمية، بما يعني نهاية العولمة الراهنة في شكلها، وربما حتى في مضمونها، وبداية فترة انتقالية تتميز باللايقين وبالارتباك العام الذي طال كافة سلاسل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، بالإضافة إلى الشلل التام لحركة تنقلات البشر والتجميد الكلي لتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وما خلفه كل ذلك من انعكاسات على التوازنات الجيواستراتيجية. إنها أكبر وأخطر أزمة تواجه سكان الكرة الأرضية في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، وإنه لمن الصعوبة بمكان معرفة الحجم الحقيقي لتداعياتها الحالية ونتائجها المرحلية في مختلف قطاعات الأنشطة البشرية في شتى بقاع العالم.
إن آفاق إعادة توزيع أدوار الفاعلين الدوليين النافذين أصبحت آفاقا مرتفعة الاحتمال، إنها تختلف تماما عما شهده العالم بعد 1945. ومن المرتقب جدا حدوث خلخلة عنيفة للعلاقات الدولية والأوضاع العالمية الراهنة. لقد سجل مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الذي يوجد مقره بأبوظبي تقريرا جاء فيه أن جائحة كورونا شكلت "نقطة تحول تاريخي في مسيرة العولمة، بدءا من تراجع القيادة الأمريكية، وتنامي ظاهرة الشعبوية في ديمقراطيات العالم، إضافة إلى صعود نموذج اقتصادي وسياسي وتكنولوجي صيني بديل، وتراجع روسي". نفس المصدر يؤكد على النتائج الأولى المترتبة عن تفشي هذا الوباء وانعكاساته الآنية على النظام الاقتصادي المعولم : "لقد وجه تفشي فيروس كورونا المستجد ضربة قوية للتدفق العالمي للبشر والسلع والخدمات، ما جعل العولمة تحت الحصار، كما أجبر الوباء جميع الدول على التوجه نحو الداخل، ما أدى إلى تسريع عملية الركود الجيوسياسي واضمحلال العولمة".
وفجأة تبخرت آمال التعاون الدولي وساد منطق "كل مسؤول عن نفسه أولا وأخيرا"، وكان ذلك واضحا من خلال تقاعس دول الاتحاد الأوروبي في مد يد المساعدة لبعضها البعض من أجل احتواء الأزمة في بدايتها، مما جعل رئيس الوزراء الايطالي يلوح بنهاية الاتحاد الأوروبي الذي "قد يفقد سبب وجوده"... وتبعه في هذا المنحى رئيس دولة صربيا الذي أدان علانية الدول الغربية قاطبة التي جعلته يرتمي في أحضان الصين الشعبية والاستنجاد بها بعد تجاهل العالم الغربي لمساعدة بلده...
ويرى جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، أنه عادة ما تشكل الأزمات الكبرى علامات تحذيرية في تاريخ المجتمعات البشرية، إلى جانب كونها لحظة مفصلية في تسريع اتجاهات التغيير القائمة أصلا في هذه المجتمعات بشكل محتشم قبل انفجار الأزمات. إنها رجات مزلزلة تؤدي، في نظر جوزيب بوريل، إلى تضخيم الديناميات الموجودة وليست عاملا أساسيا في سر وجودها. و يرى جوزيب بوريل أن هناك ثلاث ديناميات متفاعلة التي يعتبرها بمثابة عناصر مؤثرة تأثيرا شاملاعلى مسارالعالم ما بعد كورونا، وكلها محاور رئيسية لها ارتباط وطيد بالتحولات المرتقبة :
• مستقبل العولمة في ظل الليبرالية الجديدة
• مستقبل الحكامة العالمية في ظل النظام الدولي الجديد
• مستقبل الأنظمة الديمقراطية في مواجهة إدارة المخاطر الجسيمة غير المتوقعة
إنه واقع مغاير يتشكل تحت أنظارنا بتعقيداته ومفاهيمه الجديدة غير المضبوطة، وهو ما اعتبره الأمين العام للأمم المتحدة "أكبر تحد يواجه العالم بعد الحرب العالمية الثانية"، وفي ذلك إشارة واضحة لتهديد حقيقي يستهدف مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين على المدى القريب. لقد ظهر جليا أن هناك صراعا محتدما ومنافسة شرسة على قيادة العالم الجديد بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين التي تبذل قصارى جهودها السرية والعلنية للخروج من هذه الأزمة منتصرة كأول قوة عالمية. وفي هذا الشأن يرى بعض الخبراء الأمريكيين، من بينهم مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادي في إدارة الرئيس أوباما، أنه "بينما تواصل أمريكا تعثرها، تتحرك بكين بسرعة وحنكة للاستفادة من الفرصة التي أتيحت بفضل الأخطاء التي ارتكبها الأمريكيون. فالصين تقوم اليوم بملء الفراغ، وتصور نفسها على أنها زعيمة العالم فيما يتعلق بالرد على انتشار الوباء". وجاء على لسان توماس فريدمان، الكاتب والإعلامي الأمريكي المشهور، أن "الرئيس الأمريكي ترامب قرر مواجهة أقدم حضارتين في العالم (الصين وإيران) من دون أن يكون لديه خطط ولاأهداف"... وفي خضم ظروف التوترات المتصاعدة وأجواء الحرب الدعائية الأمريكية الصينية على خلفية كوفيد-19، حذر وزير الخارجية الصيني من مغبة دفع واشنطن وبكين إلى "حافة حرب باردة جديدة"، معلنا أن بلاده ترفض "أكاذيب واشنطن" بشأن كوفيد-19، وصرح : " أطالب الولايات المتحدة بالتوقف عن تضييع الوقت وإهدار الأرواح الغالية".
وتحت الضغوطات الأمريكية المتتالية منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، اضطرت الصين إلى الكشف عن أنيابها. وها هوالرئيس، شي جين بينغ، يؤكد في خطابه بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية (أكتوبر 2019) : " ما من قوة يمكنها أن تهز دعائم أمتنا العظيمة، ما من قوة يمكنها أن تمنع الشعب الصيني من المضي قدما"، وهذا التصريح يوحي بأن التصعيد ما زال في مراحله الأولى...
وأما على مستوى تطور الاقتصاد العالمي تحديدا، فإن هناك شبه إجماع لدى خبراء الاقتصاد البارزين الذين اعتبروا وباء كورونا المستجد أسوأ كارثة اقتصادية عالمية منذ الكساد العظيم لسنة 1929. لقد كان صندوق النقد الدولي متفائلا عندما توقع أن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية قد تمر بفترة انحدار حاد يليها انتعاش سريع في المدى القريب والمتوسط على شكل "V"، لكن سرعان ما عبرعدد من الخبراء الاقتصاديين عن توقعات تفيد حلول وضع اقتصادي عالمي كارثي يطغى عليه الانكماش والركود لفترة زمنية قد تدوم أعواما على شكل "U "...
وتجدر الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي توقع في يناير الماضي زيادة في الدخل العالمي بنسبة 3%، وها هي توقعاته الجديدة تسجل انخفاضا بالنسبة نفسها التي تعد أسوأ من النسبة التي سجلتها أزمة 2008/2009. ويذهب المفكر الأمريكي، نعوم تشومسكي، إلى أبعد من ذلك حيث يرى أن من شأن طاعون الليبرالية الجديدة المتوحشة التي تتحكم في اقتصاد السوق العالمية أن تدفع البشرية إلى مواجهة خطرين وجوديين وشيكين : الحرب النووية والاحتباس الحراري.
يتبع

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي 'tanjaoui.ma'

تعليقات الزوّار (0)



أضف تعليقك



من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

أخر المستجدات

تابعنا على فيسبوك

النشرة البريدية

توصل بجديدنا عبر البريد الإلكتروني

@