طنجاوي ـ يوسف الحايك
على مدار الأيام الماضية، ملأ حادث سقوط الطفل ريان أورام، ذو الخمس سنوات في بئر بجماعة تاموروت ضواحي إقليم شفشاون، الدنيا وشغل الناس في المغرب وخارجه، كما تصدرت صورته وهو يصارع الموت في غيابة الجب، عناوين الأخبار، وطنيا ودوليا.
وبقدر ما تبديه صورة الطفل ريان على مختلف منصات التواصل الاجتماعية أيضا من جمود في الحركة، فهي كذلك تختزل مشاعر متأججة واضطراب نفسي من الخوف والقلق والصدمة.
خطر وتهديد !
ويرى أخصائيون نفسيون أنه حتى بعد انتهاء عملية إنقاذ الطفل ريان فإن حالة الاضطراب النفسي قد تلازمه لفترة ليست بالقصيرة في ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة.
وفي هذا الصدد، وصفت ذكرى الريسوني، أخصائية العلاج النفسي الاكلينيكي، إن الحالة النفسية التي يمر بها الطفل ريان بكونها "صعبة".
وأضافت أن هذه الحالة التي يعانيها ريان تندرج ضمن الحالات النفسية التي يعيش أشخاص في وضعية خطر؛ حيث أن يكون العقل في مواجهة تهديد، ويحاول جاهدا إبداء مقاومة والدفاع في مواجهة هذا الوضع من خلال نوبات قلق حادة، وغيرها، والتي تختلف حسب درجة الموقف، والتي يمكن أن تصل إلى حالة الصدمة.
الصدمة وما بعدها
ورأت الريسوني الحادث الذي وقع لريان "شكل صدمة كبيرة حتى بالنسبة لنا كأفراد حيث يصل الأمر ربما للمرء أن يتخيل نفسه في موقف هذا الطفل، مما خلق حالة من الرعب في نفوس الأسر، فما بالك بالطفل وهو يواجه هذا الوضع".
وأكدت المتحدثة ذاته أنه من المحتمل أن يعاني ريان من اضطراب ما بعد الصدمة، الذي يكون مصاحبا بمجموعة من الأعراض النفسية المؤلمة التي تلازم الفرد لما بعد الصدمة.
ومن تمظهرات ذلك ـ وفق الأخصائية النفسية ـ أن الطفل "يعيش تكرارا لأحداث الصدمة مرات متعددة في حياته اليومية بالمشاعر ذاتها التي انتابته أثناء الصدمة".
وأوضحت أن "من تمثلات الضغط النفسي لما بعد الصدمة تختلف بحسب المواقف وتتباين من شخص لآخر، ومنها الصراخ والبكاء والانهيار، وأحيانا العكس حيث يدخل الفرد في حالة من الذهول والانزواء وما يمكن توصيفه بـ"انسداد للعقل"، بسبب غياب آلية دفاعية ضد الألم الناتج عن الخطر".
المصاحبة النفسية
وأكدت الريسوني على ضرورة "توفير المصاحبة النفسية للطفل ريان حتى يتمكن من تجاوز حالة الصدمة التي لا يمكن للعقل أن يتعامل معها بوصفها تجربة عابرة خصوصا وأنه في سن صغير".
المسببات
ويعرف اضطراب ما بعد الصدمة بحسب الموقع الالكتروني للكلية الملكية للأطباء النفسيين في بريطانيا بوصفه "القلق المُرهِق الذي يحدث بعد التعرض لحدث صادم أو مشاهدته".
وأورد المصدر ذاته أن هذا الاضطراب يعقب حدثا قد يتضمن "تهديدا حقيقيا أو متوقعا للإصابة أو الموت، ويمكن أن يشمل ذلك حدوث كارثة طبيعية، أو حرب، أو اعتداء جنسي أو جسدي، أو وفاة غير متوقعة لشخص عزيز، أو أي صدمة أخرى".
وأشار إلى أن الأشخاص الذين لديهم اضطراب ما بعد الصدمة يعانون من إحساس قوي بالخطر، مما يجعلهم يشعرون بالتوتر أو الخوف، حتى في الحالات الامنة، ويمكن أن يحدث اضطراب ما بعد الصدمة لأي شخص في أي عمر.
ويوضح الموقع نفسه أن الاضطراب يظهر كرد فعل على التغيرات الكيميائية في الدماغ بعد التعرض لأحداث مؤلمة، ولا يكون اضطراب ما بعد الصدمة نتيجة لخلل في الشخصية أو ضعف.
الأعراض والعلاج
ويمكن أن تبدأ أعراض هذا الاضطراب ـ بحسب الموقع الأكاديمي ـ بعد أسابيع أو حتى شهور من الحادثة، وعادة ما تظهر في غضون 6 أشهر من ذلك الحدث، مع بروز مجموعة من الأعراض من بينها الشعور بالحزن والاكتئاب والقلق والاحساس بالذنب، وأحياناً الغضب.
كما أنه من الأعراض كذلك، الشعور بحصول التجربة من جديد والكوابيس، حيث يشعر الشخص بأنه يمر بالتجربة من جديد، إلى جانب تجنب مواقف وأماكن معينة التي من شأنها أن تسبب
الكثير من الازعاج، كما يورد ذلك موقع "ويب طب".
وفي السياق ذاته، أشارت الكاتبة بيكا مارش إلى أن الأطفال معرضون للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة تماما مثل البالغين، إذ تشير الدراسات إلى أن الأطفال في سن السادسة، وأحيانا في سن أصغر، قد يعانون من هذا الاضطراب في حال تعرضوا بشكل مباشر لحادث مؤلم، مثل مشاهد الموت أو التعرض لإصابة خطيرة أو الاعتداء الجنسي.
وأكدت الكاتبة في مقال أورده موقع "الجزيرة.نت" في ماي سنة 2021، نقلا عن تقرير نشره موقع "ذي فاكت سايت الأميركي أن الأبحاث مستمرة لتحديد الأعراض التي يمكن أن تكشف إصابة الأطفال باضطراب ما بعد الصدمة، وذلك بهدف تقديم العلاج المناسب.
وأفادت أن "هناك علاجات مختلفة تقدم للأطفال عند الإصابة بهذا الاضطراب، وأكثرها شيوعا العلاج النفسي، حيث يتعلم الطفل كيف يحدد عواطفه ومشاعره تجاه حادث ما وكيف يتحكم في مخاوفه ويتجاوز الصدمة".