أخر الأخبار

الملاقف وكابايو" .. ألعاب شعبية اغتالتها يد التكنولوجيا بطنجة

عبد الوحد استيتو*

منذ ثلاثة عقود، زامن رمضان فصل الصيف في طنجة، لكن الحياة وظروفها كانت تختلف عمّا هي عليه الآن، فلا قنوات فضائية تبث على مدار الساعة ولا هواتف ذكية ولا أيا من وسائل التسلية الأخرى، ما عدا قناة وطنية واحدة تفتتح برامجها زوالا بشكل استثنائي تمييزا لرمضان عن باقي الشهور التي لم يكن يبدأ فيها البث قبل السادسة مساءً.

لذا، كان لابد أن يجد الصائمون وسائلَ للتسلية وقضاء الوقت، سواءٌ في فترة الصيام أو أثناء السهر في انتظار السّحــور، ولم تكن وسائلُ التسلية تلك سوى ألعاب شعبية متنوّعة بعضُها كان يمارس على مدار السنة، وبعضُها كان خاصّا بشهر رمضان فقط.

على ناصية أحد المقاهي، ومباشرة بعد صلاة التراويح، يُجالس "محمّد.س"، 49 سنة، مجموعةَ أصدقاء. يقول لنا وهو يحتسي فنجان قهوته محاولاً استحضار تلك الفترة التي سألناه عمّا ميزها، "أذكر أنّ الصيام فعلا كان شاقّا وقتها في غياب أي وسيلة لتمضية الوقت، خصوصا بالنسبة لنا نحن الشباب، لهذا كنا نمارس مجموعة ألعاب، بعضها لا يتطلب أي حركة ويكون داخل البيت وهي ألعابُ ما قبل الإفطار. أما ألعاب الحركة فكنا نتركها لفترة الليل في الغالب".

يواصل محمّد، وهو يعتصر ذاكرته ليكشف لنا عن إحدى هذه الألعاب، "كانت هناك لعبة (الملاقف)، وهي لعبة داخلية تُمارس بواسطة أربعٍ حصوَاتٍ في حجم حبّات العنب تقريبا، وتتطلب من اللاعب مهارة وتركيزا كي يقوم باجتياز كل مراحلها، فهناك مرحلة تتطلب أن يرمي الحصاة الرئيسية ويلتقط تلك التي في الأرض دون أن يحدث أي ارتطام بين الاثنين، وأيّ صوتٍ صغير يعتبر خطأً، إضافة إلى مراحل أخرى متنوعة تعتمد في مجملها على رمي الحصاة الرئيسية والتقاط الباقي الذي يتم نثره على الأرض".

يُشارك في لعبة الملاقف، بحسب محمّد، أكثر من لاعب ويمرّ الدور عليهم الواحد تلو الآخر، وأوّل من ينهي جميع المراحل يعتبر فائزا؛ حيث يكوّن اللاعبون الجالسون حلقة دائرية يعتبر وسطها هو "الملعب".

وعن الألعاب الليلية، يقول لنا "يوسف.ع"، 40 سنة، جليسُ محمّد، إنها كانت الأكثر حركية وحيوية، خصوصا بعد أن يكون البطن قد امتلأ، لاسيما وأن من يمارسها مراهقون يكون في الغالب ذاك هو عامهم الأول في الصيام، "هناك لعبة كان اسمها (سالطا كابايّو)، وأظن أنها أصلها إسباني، وبها نسبة لا بأس بها من المخاطرة؛ حيث يقف أحد اللاعبين إلى الجدار، بينما ينحني الباقون في وضع الركوع وأوّلهم يلصق رأسهم باللاعب الرئيسي الواقف بالجدار، وعلى الفريق الثاني أن يرتمي الواحد تلو الآخر فوق الجسر البشري الذي شكله الفريق الأول، وذلك دون أن يسقط أيّ منهم مُحافظين على توازنهم لمدة معينة، وهكذا".

ويؤكد لنا يوسف أن لعبة "سالطا كابايّو" خاصة بالذكور، وأنها كانت تلعب في رمضان بشكل خاصّ، بينما لعبة الملاقف يلعبها الجميع، ذكوراً وإناثاً.

وعن الألعاب التي تلعب داخل البيت، قالت لنا "لطيفة.س"، 45 سنة، "لعبة الورق (الكارطا) كانت تعرف إقبالا كبيرا في رمضان، إلى درجة أن محلات البقالة كانت تحضر كميات كبيرة منها تحسبا للمبيعات التي تزداد في تلك الفترة، ونحن نعرف أن هناك عشرات الطرق للعب الكارطا، لكن كانت هناك طرق محددة هي التي نختارها في رمضان على رأسها ما يعرف بـ(كوبي – كانتي)، والتي كانت تتطلب مهارة ومراقبة للخصم، كما كان ينتج عنها (أحكام) في حقّ المنهزمين؛ بحيث ينفذون ما يطلبه منهم المنتصرون".

ورغم أن اللعبة كانت تمارس نهارا في الغالب لتمضية الوقت، إلا أن لطيفة تؤكد أنها كانت تحلو في الليل أيضا، حيث يتحلّق عدد من أبناء الحيّ أو الأسرة الواحدة ليستمتعوا باللعب وأجوائه.

"الدّاما"، بحسب ما صرّح لنا "السي عبد السلام"، 65 سنة، كانت من وسائل التسلية التي يقبل عليها الكبار أيضا، خصوصا أنها لا تتطلب سوى رسم مستطيل صغير على الأرض وبضع أحجار بلوْنين مختلفيْن.

تدور لعبة الداما بين خصمين على أحدهما أن "يلتهم" أحجار الآخر، والمنتصر هو من تبقى أحجاره سالمة فوق رقعة اللعب.

ولعلّ ما يميز "الداما" كان يميز باقي الألعاب السابقة التي لم تكن تتطلب أي إمكانيات أو معدات، ومع ذلك لا يرى لها أثرٌ في جيل اليوم إطلاقا. هي ألعابٌ منبعها الحماس والنشاط والرغبة في الحركة، ألعابٌ مصاريفها صفر درهم، وفوائدها على النفوس ومتعتها لا تقدّر بثمن.

*عن هسبريس

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي 'tanjaoui.ma'

تعليقات الزوّار (0)



أضف تعليقك



من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

أخر المستجدات

تابعنا على فيسبوك

النشرة البريدية

توصل بجديدنا عبر البريد الإلكتروني

@