طنجاوي
يبدو أن رياح المضيق هبت بما لا تشتهيه متمنيات الوزير بوليف ومساعديه، حيث ما إن وصلت رحلة العودة إلى ذروتها ثلاث أيام بعد عيد الأضحى حتى انكشفت الاختلالات الخطيرة التي تورطت فيها الوزارة المنتدبة المكلفة بالنقل، والتي كان لها تداعيات سلبية وزادت من تأزيم الوضعية.
قبل يومين من بلوغ رحلة عودة الجالية المغربية إلى بلاد المهجر ذروتها، حل كاتب الدولة المكلف بالنقل محمد نجيب بوليف برفقة مسؤولي قطاعه الحكومي، وفي مقدمتهم مسؤولو مديرية الملاحة التجارية بميناء طنجة المتوسط وطنجة المدينة، منتشيا بنجاح عملية "مرحبا 2018"، معلنا أن مدة الانتظار وصلت إلى صفر ساعة!!!..
فكل ما كان يهم بوليف ومديرة مديرية الملاحة التجارية هو تلميع صورتهما، وأخذ الصور والركوب على المجهود الذي تبذله المصالح والمؤسسات المسؤولة في عين المكان عن تأمين عملية مرحبا، في حدود الصلاحيات والإمكانيات المتوفرة (السلطة المينائية لطنجة المتوسط، الجمارك، الأمن، مؤسسة محمد الخامس للتضامن).
لقد سبق للسلطة المينائية أن دقت ناقوس الخطر يوم 29 غشت المنصرم، محذرة من المشاكل التي يمكن أن تعترض عودة الجالية المغربية خلال هاته الأيام، حيث سيصل معدل الانتظار عشر ساعات، وطلبت منهم تأجيل رحلة عودة لبضعة أيام، لتفادي الازدحام المتوقع، مع ما يمكن أن يرافقه من متاعب، وذلك متا حدث بالضبط، عندما تحولت العودة إلى جحيم حقيقي، وقاربت مدة الانتظار 20 ساعة.
وكان من المفروض على الوزير بوليف أن يلتقط الإشارة، وأن يبادر إلى تحمل مسؤولياته، ويسارع إلى تعزيز التنسيق مع الجانب الإسباني، باعتباره الجهة الحكومية المخول لها ذلك.
لقد أثبتت هاته الأزمة الخطيرة الفشل الذريع للمقاربة التي انتهجها الوزير بوليف في التحضير لعملية مرحبا، فمديرية الملاحة التجارية الخاضعة لسلطته، هي من تسهر على وضع مخطط للرحلات البحرية، وهي التي تمنح التراخيص لشركات الملاحة التجارية، وبعد هذا الذي حدث تأكد أن هاته المديرية فشلت تماما في توقعاتها لموسم العبور.
بوليف أبان عن عجز كبير في قدرته على التحرك لتطويق الأزمة، والبحث عن الحلول المناسبة في أسرع وقت، لقد تبين بوضوح أن الاكتضاض الكبير الذي عرفه ميناء طنجة المتوسط يرجع السبب الرئيسي فيه للجانب الإسباني، كيف ذلك؟.
الطاقة الاستيعابية لميناء الجزيرة الخضراء لا تتعدى 40 ألف مسافر في اليوم، مقارنة بميناء طنجة المتوسط الذي يمكن أن يصل إلى 60 ألف مسافر في اليوم، أكثر من ذلك فإن إجراءات التفتيش المعمول بها بميناء الجزيرة الخضراء تتطلب وقتا كبيرا، خاصة وأنها تعرف مشاركة فرق أمنية من الاتحاد الأوربي، وبالتالي يتم إجبار البواخر على البقاء في عرض البحر قبالة ميناء الجزيرة الخضراء، والسماح بباخرة واحدة للدخول إلى الميناء، وعند الانتهاء في تفريغها يتم إدخال الباخرة الموالية، حيث أصبحت رحلة ذهاب وإياب الباخرة من وإلى ميناء طنجة المتوسط أزيد من خمس ساعات، كما أن الباخرة التي تصل إلى ميناء الجزيرة الخضراء تفرغ حمولتها، وتعود محملة بالبضائع والركاب، مما يزيد من طول مدة الانتظار، عكس ما كان يفعله الجانب المغربي في مرحلة عودة الجالية المغربية إلى أرض الوطن، حيث كانت البواخر تقوم بنقل الجالية المغربية من الجزيرة الخضراء إلى الميناء المتوسطي، ثم تعود فارغة لربح الوقت.
هاته المعطيات تكشف الفشل الكبير للوزير بوليف، حيث أنه كان عليه تكثيف لقاءاته واتصالاته بالجانب الإسباني للوصول إلى حلول استثنائية من أجل التخفيف من مدة الإنتظار إلى الحدود الدنيا، لكنه للأسف فضل الترويج للنجاح المتوهم لعملية العبور عبر صفحته على الفيسبوك، عوض مواجهة الحقيقة، والتحرك على أرض الميدان.
الجحيم الذي تعرض له أبناء الجالية المغربية، وما رافقه من متاعب ومشاكل صحية وإنسانية، يستوجب تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق، وتحديد المسؤوليات، وإن كانت المسؤولية الحقيقية تفرض على الوزير بوليف تقديم استقالته إقرارا بفشله الذريع، لكن لا يبدو أنه من طينة الساسيين الذي يؤمنون بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.