أخر الأخبار

ظاهرة"الاحتباس السياسي" و سؤال العزوف الإنتخابي

إذا كانت ظاهرة "الإحتباس الحراري" تقترح نفسها كمعطى ينذر بآفة تجعل الزمن الآتي مخيفا، و تبعث على أفق متردي تؤثثه مؤشرات سلبية تدفع في اتجاه تقلب المناخ، فإن المناخ السياسي بالمغرب يقترن قياسا بلازمة الإحتباس بما هي نعت للإضطراب و الارتكاس و ضيق الأفق، مما يجعل الحديث عن ظاهرة الاحتباس السياسي أمرا ممكنا.

إن أول ما يلفت نظر المتتبع للشأن السياسي الراهن هو رداءة الخطاب المؤطر للمشهد السياسي برمته، مما يوذن بسابقة ليس لها نظائر في الموروث السياسي على امتداده. فإذا كان الخلاف حول سبل و طرائق  معالجة القضايا و الإشكاليات ذات الصلة بالشأن العام، و إذا كان تباين وجهات النظر حول مقاربة السياسات العمومية أمرا مشروعا، بل مطلبا جوهريا، فإن تدبير هذا الخلاف عبر النهل من قاموس السب و الشتم و استدعاء مفردات الرصيف يعد مسلكا مستهجنا، و لا يليق بالقول السياسي بمقتضى كونه صيغة التداول لدى النخبة.

و لعل المفارقة هي أن ظاهرة توظيف اللغة البذيئة في السجال السياسي برزت بغزارة تلو تدشين لحظة جديدة ارتبطت بميلاد وثيقة دستورية متقدمة، أشرت على عهد جديد يساير انتظارات المواطنين، و يوازي طموحاتهم و تطلعاتهم. غير ان الزمن السياسي الرديء لمرحلة ما بعد الربيع العربي لم ينسجم مع مضامين الدستور و لم يستوعب خصوصيات المرحلة، إذ أمام ارتفاع سقف المطالب كان من الأوفق رفع مستوى الأداء السياسي و ليس رفع البنادق باستخدام ذخيرة قذرة.

 إن ما ينبغي التنبيه إليه في هذا السياق، هو أن الهذيان السياسي قد بلغ ذروته، في وقت يجب فيه بذل الجهود من أجل رفع سقف المشاركة السياسية، بغية إقحام جل شرائح المجتمع في العمل السياسي، حتى لا يبقى هذا الأخير ذا طابع فئوي أو حكرا على جهات بعينها. وتفترض المرحلة كذلك سعيا حثيثا نحو تطويق بواعث العزوف الإنتخابي، وتشخيص أسبابه و دوافعه، في محاولة لخلق وضع جديد عنوانه المصالحة مع العمل السياسي، و تجاوز لحظة العسر في المشاركة السياسية.  و لعل من شأن تنامي خطاب السب و الشتم و استئناس الفاعل السياسي بلغة شعبوية، أن يغذي ثقافة "الهجر السياسي" لدى المواطن، و يفضي إلى  تضخم قاعدة الرفض و القطيعة.

إن ارتباط  الخطاب السياسي في الحاضر بمعجم بذيىء، يعكس خللا في الوعي السياسي لدى الطبقة السياسية.  مما يدفعنا إلى التساؤل حول مدى جاهزية الفاعل السياسي و أهليته لتدبير المرحلة، و مدى ملاءمة خطابه لخصوصيات الظرف الزمني الراهن، و لعل الإندحار بلغة التواصل السياسي من علياء النخبوية إلى سفح الشعبوية، يعبر عن تراجعات خطيرة خدشت ملامح التجربة السياسية، و شكلت إحدى مداخل العدمية السياسية.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي 'tanjaoui.ma'

تعليقات الزوّار (0)



أضف تعليقك



من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

أخر المستجدات

تابعنا على فيسبوك

النشرة البريدية

توصل بجديدنا عبر البريد الإلكتروني

@