أخر الأخبار

The moroccan from Tangier يعرفون طنجة ولا يعرفون المغرب!...

حكى لي أحد زملائي، انه وبعد حصوله على شهادة الباكلوريا، سافر في رحلة بطوطية حول العالم، تكفلت أمه بتكاليف السفر، وحدث أن وصل إلى إحدى مدن الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استقر رأيه على دراسة الأدب الإنجليزي، ولذلك عمل على ربط قنوات الاتصال بالأوساط الثقافية والفنية بذات المدينة.

خلال مشاركته إحدى الندوات، طلب منه التعريف ببلده الأصلي، فكان أن أجاب بكل بساطة: أنا من المغرب، فرد عليه أحدهم: وأين يوجد هذا المغرب؟...

استنجد صديقنا بما يختزنه من معلومات جغرافية من دون جدوى، وخطر له أن يذكر مدينة طنجة وموقعها على الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق، الفاصل بين أوربا وأفريقيا، حينها فوجئ بالسائل وقد انشرحت أساريره، ثم شرع في سرد كتاب وفنانين وأدباء عالميين، عاشوا بطنجة، أو قضوا أزهي فترات عمرهم بها...

منذ ذلك اليوم صار صاحبنا معروفا لدى الأوساط الثقافية والفنية في تلك المدينة بالمغربي القادم من طنجة :  The moroccan from Tangier.

تعكس هاته القصة الواقعية، المكانة التاريخية والرمزية لمدينة طنجة، المدينة الضاربة في عمق التاريخ والأسطورة، وإلى يوم الناس هذا لا زالت الأسطورة تمتزج بالوقائع، حينما تصير الوقائع وأبطالها كائنات وأحداث أسطورية.

هاته التمثلات ساهم في صنعها أدباء وفنانون عظام أشهرهم على سبيل المثال لا الحصر:

  • بول بولز الذي استقر بطنجة منذ أربعينيات القرن الماضي، وأقام بها ما يزيد عن نصف عمره، أبدع فيها في مجالات الأدب والموسيقى، وقام بترجمة أعمال أدباء وكتاب من طنجة، أشهرهم محمد شكري وأحمد المرابط...
  • وليام بوغوز صاحب الوليمة العارية "Le Festin nu"، كانت طنجة بالنسبة إليه وطن الأحلام الخلاقة والمجنونة...
  • جوزيف كيسل مؤلف الرواية الشهير الأسد le lion...
  • الفنان أوجين دو لاكروا، الذي حل بالمغرب في رحلة استكشافية ذات طابع عسكري، حيث كان مكلفا برسم الأماكن والشخوص، بغرض التعرف على المغرب من خلال الرسم واللون، كانت أشهر لوحاته: عرس يهودي أبدها سنة 1832، بعد عودته لفرنسا، ومن خلا هاته اللوحة الرائعة يظهر بجلاء حضور الضوء واللون اللذان تأثر بهما خلال مقامه بطنجة، وهو كذلك صاحب المقولة الشهيرة: روما لم تعد في روما: "Rome n’est plus Rome"، في إشارة منه إلى انبهاره بطنجة، بعد أن كانت روما قبلة الفنانين بامتياز، وهو بهذا الاعتراف إنما أراد أن يبعث رسالة لكل الفنانين يدعوهم من خلالها لزيارة المغرب، واكتشاف أضوائه وألوانه الساحرة...
  • هنري ماتيس سيصل إلى طنجة متم شهر يناير 1912، بعد سبعين سنة من واستقرار دو لا كروا بها، وسيجعل من عروس البوغاز مقاما يرتاح فيه من عناءات بلده الأم... حيث صار مدمنا على زيارتها كلما أتيحت له الفرصة، وكانت فيلا دوفرانس مقر إقامته المفضلة، ومن نافذة غرفته أبدع مجموعة من اللوحات، تميزت بطغيان لون ما حسب تغير الفصول والطقس،

 سحر طنجة دفعه على الاعتراف بخط يده يوم فاتح مارس 1912 وهو يحاول رسم منظر من مناظر طنجة الخلابة، قائلا: أجد صعوبة في اختيار الأولوان ومزجها لإخراج اللونين الأزرق والأخضر المناسبين، حيث تعجز الفرشاة عن محاكاة هذا الجمال الطبيعي الساحر.

وكغيره من الأدباء والفنانين الذين زاروا طنجة، صار إسم ماتيس مقرونا بالمغرب و بطنجة، إلى درجة أن معهد العالم العربي بباريس نظم معرضا موضوعاتيا لمجموعة أعماله، تحت عنوان: مغرب ماتيس"Le Maroc du Matisse".

هكذا كانت طنجة ذات زمن جميل، واليوم ماذا بقي من سحرها؟

 

                                                                                                                                                       * أستاذ باحث في الفنون

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي 'tanjaoui.ma'

تعليقات الزوّار (0)



أضف تعليقك



من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

أخر المستجدات

تابعنا على فيسبوك

النشرة البريدية

توصل بجديدنا عبر البريد الإلكتروني

@