محمد كويمن العمرتي٭
يقال أن البكاء وراء الميت خسارة، ومع ذلك لا تجد جنازة بدون بكاء، وإن كان خسارة كما يقال، ولا أعتقد أنه خسارة، لأنه بكاء يعبر عن غفلة الإحساس بحقيقة الموت، والميت لا يعود، لكن أعماله تبقى فيما هو يحاسب، والفرق كبير بين البكاء من أجل استرجاع شيء مفقود، والبكاء على فقدان أبدي، وهي دعوة لاستعادة ذلك البكاء من صرخة الرضيع، الذي لا يملك غير البكاء لإسماع صوته دون أن يبالي بالخسارة مقابل تلبية مطالبه..
ولعل ما يقع بهذه المدينة، يجعل الخسارة تبكي على البكاء نفسه، حين تقابلك عبارة فات الأوان، وأنت تقف أمام قرارات اتخذها عدد من المسؤولين، ما أنزل الله بها من سلطان، والأمر يدعو للبكاء حقا، بعد الحالة التي صارت عليها الغابة الديبلوماسية أو غابة الميريكان، فباسم الاستثمار السياحي، أنشأت شركة عقارية مجمعا سكنيا عند مدخل الغابة، لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يطلق عليه اسم مشروع سياحي، فقط سكن عشوائي مرخص، ومنظر بشع للعديد من المحلات التجارية، وتخيلوا كيف سيتحول هذا الموقع بعد استغلال شقق ومتاجر هذا المشروع، الذي جعل ما تبقى من أشجار هذه الغابة تقف حزينة على ماضيها، حين كانت غابة الميريكان قبلة لساكنة المدينة، قبل أن يغزوها الاسمنت باسم الاستثمار السياحي، ويتم تفويت ساحلها لشركات عقارية مغربية وخليجية، والغريب في الأمر أن شركات عملاقة قطرية وبحرينية وإماراتية استفادت من مواقع استراتيجية على الساحل الأطلسي بين طنجة وأصيلة وأخرى بمنطقة المنار المطلة على المتوسط، ولم يتم احترام دفاتر الشروط في تنفيذ مشاريعها، وظلت أوراشها معلقة منذ طنجة إكسبو إلى طنجة الكبرى..
وهناك فضائح بالجملة لشركات عقارية كبرى، تحولت إلى ماركات مسجلة، كالبناء المحاذي لطريق الرباط عند مدخل المدينة، حين لم يتدخل أي مسؤول لمنع هذه "الشوهة"، بل تواصل الانتشار العشوائي لمجمعات السكن الاقتصادي في غياب أي رؤية مستقبلية للتأهيل الحضري الشامل والمندمج، وأحدثت مناطق سكنية جديدة بجماعة اكزناية باعتماد نفس الأخطاء، بعدما قام رئيس هذه الجماعة بتوزيع ترابها دون حسيب ولا رقيب، وانتشر بوسط المدينة وضواحيها بنايات اشتهرت بأسماء الموقعين على تراخيصها مع عبارة "اللي فات مات"، والمطلوب فقط البكاء على هذا الذي فات ومات..
وعلى سبيل المثال دائما، قد لا تجد جوابا حين تحتفظ القنصلية الاسبانية بوعائها العقاري كفضاء أخضر ورياضي، حيث يتواجد ملعب "كامبو اسبانيول" المجاور لثكنة الدرك الملكي، فيما لم يتردد المجلس الجماعي في تأييد الوالي حول اتخاذه قرارا بإعدام ملعب التحرير "البرادار" ومعه الذاكرة الرياضية لساكنة أحياء المدينة خاصة بني مكادة و السواني، فهل البكاء على ذاكرة المدينة بدوره خسارة، بعدما أضحى البكاء على الأخطاء القاتلة لهوية المدينة، التي ارتكبها عدد من المسؤولين الذين تعاقبوا على تدبير شأنها المحلي عن سبق الإصرار والترصد، يشكل خسارة فعلا لطنجة، لكن الخسارة الكبرى هي عدم محاسبتهم، ومن أجل ذلك يستمر البكاء على طنجة..
٭أسبوعية لاكرونيك