طنجاوي/ بقلم: بلال بلحسين
لا يمكن لنتائج إمتحانات الباكالوريا أن تمر دون إفراز نماذج مشرقة من الشباب التواق إلى مواصلة مساره في التحصيل العلمي.
أعرف واحدة من هؤلاء، فاطمة الجوهري القادمةِ من تضاريس جبال الريف الوعرة إلى مدينة تطوان، لمواصلة شغف التحصيل العلمي في مراحل الإعدادي والثانوي من منطقة كانت تعتبر استكمال الفتاة لتعليمها العالي نوعا من "الجرم".
في سنة 2009 أخفقت فاطمة في نيل شهادة الباكالوريا من ثانوية القاضي عياض بتطوان لظروف خاصة، شتت تركيزها في الإمتحانات، لتقرر تغيير مسارها العلمي نحو التكوين المهني لحصد دبلومَيْ التقني والتقني المتخصص في التدبير والمحاسبة، لكن السؤال هنا الذي يُسائل منظومتنا التعليمية والتكوينية، ما قيمة دبلوم التقني المتخصص بدون بكالوريا؟ فإن كان نظام التكوين المهني يسمح بالتدرج بين التكوينات فإن نظام المباريات لسوق العمل لا يعترف إلا بنظام باك +2.
في هذه الأثناء، كانت فاطمة قد صارت سيدة وأما لطفيلن وشقت مسارها المقاولاتي والجمعوي بمدينة تطوان فأضحت الغريبة القادمة من قرى جبال الريف ذات مكانة بين سيدات المدينة في مجالات العمل الإجتماعي والثقافي.
وقبل أن تُواصِل هذا الطموح الجارف توقف فجأة كل شيء سنة 2018 مع قرار استقرارها بمدينة سلا رفقة زوجها الذي انتقل للعمل بالعاصمة.
بعيدا عن الأهل والأصدقاء والمحيط الجمعوي والإجتماعي وجدت فاطمة نفسها مرة أخرى في نقطة البدايات بحثا عن الذات.
وكان المفتاح مواصلة الشغف بالتكوين العلمي والمعرفي. لتلمع فكرة الباكالوريا أحرار هذه السنة كمنفذ لمواصلة هذا الشغف بجامعة محمد الخامس بالرباط.
بالنسبة لأم لطفلين بعيدةٍ عن الأهل بمسؤوليات أسرية لا تنتهي، لا يمكن الحديث عن موعد لبداية الاستعداد لهذه الإمتحانات، فبين تسويف وتراخ وجدت فاطمة نفسها على بعد يومين من الاختبار الجهوي الموحد ولم تفتَح فيها ولو كتابا واحدا، ليكون القرار مواصلة الليل بالتحصيل والنهار بالواجب الأسري لتجتاز الإختبار ويكون بينها وبين الاختبار الوطني حوالي 10 أيام، في مواجهة مواد لم تعهدها من قبل ولا بداية لها ولا نهاية كالفلسفة والاجتماعيات واللغة العربية، وهي التي كانت علمية التوجه ثم في الإقتصاد والمحاسبة.
لكن الطارئ العائلي الذي يعلمه الكثير من المقربين(مرض أمها بكوفيد ودخولها غرفة الإنعاش بمستشفى سانية الرمل) كان كفيلا بإيقاف هذا الطموح الجارف، ويكبَح هذه الرغبة في نيل شهادة انتظرت 12 سنة، فعلا قد لا تزيد لمستواها المعرفي والإجتماعي الشيء الكثير، لكنها تعنيها كمبتغى نفسي طال انتظاره ولا بد من استحقاقه.
حصلت فاطمة اليوم على شهادة الباكالوريا في العلوم الإنسانية بميزة وبمعدلات لم تكن في الحسبان 17 في التربية الإسلامية و 16 في اللغة العربية و 15.5 في الفرنسية و 14.5 في الفلسفة و 12 في الإجتماعيات و غيرها... رغم إصرارها على استحقاقها نقطا أكثر خاصة في مواد كالفلسفة والإجتماعيات (وهنا قد نفتح القوس مرة أخرى للحديث عن اللا منطق في تنقيط بعض المواد الأدبية).
اجتازت فاطمة هذا الإختبار بالكثير من الإصرار والتحدي وفي زمن قياسي وفي ظروف إستثنائية، لتصير في نظري أيقونة في المُجالدة والإيمان وتحقيق الطموح، ولتكتُب قصة نجاح حقيقية بدأت.