طنجاوي _ يوسف الحايك
على رمال شاطئ قريتها بليونش، خطت وردة الناجي وهي ابنة 17 ربيعا، حروف أول حكاياتها الشعبية، وهي تتعلم أبجديات هذا الفن ضمن ورشة تدريبية، أقامتها جمعية "منتدى شهرزاد" بالدار البيضاء سنة 2018، بشراكة مع جمعية نساء المستقبل المحلية.
وبكثير من الفخر والامتنان، تستذكر الحكواتية ذات 20 سنة في حديثها مع "طنجاوي" بدايتها قبل ثلاث سنوات مضت في عوالم الحكاية، راسمة ملامح الأبطال، في الزمان والمكان، لترويها بلكنة شمالية خالصة، مستهلة كل حكاية بالقول المأثور "كان يا ما كان في قديم الزمان، لمّا كان الحبق والسوسان في حجر النبي العدنان"، ومنهية على منوال الجدات قائلة "ومشات حكايتي من واد لواد، ومن ببلاد لبلاد، يحكيها لجداد للصبية ولحفاد".
ولع
وقالت الناجي إن ما دفعها إلى خوض غمار هذه التجربة الفنية هو ولعها منذ الصغر بهذا اللون الفني التراثي، إلى جانب ما لاقته من إقبال وتجاوب من طرف جمهورها من الصغار والكبار، مما كان حافزا لها لمواصلة المشوار.
ولا تخفي المتحدثة ذاتها إصرارها على المضي قدما في تحقيق حلمها، متحدية كل ما يعترضها من صعوبات وعراقيل؛ لاسيما في ظل الطابع القروي الذي يغلب على بلدتها المتاخمة لمدينة سبتة المحتلة.
وحول ما تمتاز به الحكاية الشعبية في الشمال عن باقي ربوع المملكة، توضح وردة أن وجه الاختلاف يكمن فقط في اللهجة التي تختلف من منطقة إلى أخرى، أما اللباس التقليدي فهو يبقى القاسم المشترك بين كل الحكواتيين؛ وأبرزها القفطان المغربي والشربيل بالنسبة للنساء، والسلهام والبلغة للرجال.
الحكاية.. ترفيه وقيم
وجعلت وردة جائحة فيروس "كورونا" وما فرضته من توقف بسبب الاغلاق فرصة مواتية لتفتح لنا نافذة جديدة على جمهور أوسع بإحداثها لقناة على موقع يوتيوب، وبث مقاطع مصورة لما تنسجه من حكايا؛ "حيث لاحظت أن المجتمع برمته بات متعلقا بوسائل التواصل الاجتماعي، فقررت ألا أبقى مكتوفة الأيدي بين جدران المنزل، ومد جسور التواصل مع الجمهور وإيصال فن الحكاية ورسائلها الهادفة إلى فئات مختلفة من المجتمع"، وفق تعبيرها.
وأبرزت أنه إلى أن فضلا عن الغاية الترفيهية للقصص التي تجتهد في كتابتها، أو تستلهما من كتب التراث، فإن مبتغاها الأسمى هو بداغوجي بالأساس لا تسعى إليه من غرس لقيم نبيلة كحب الوطن، والدعوة إلى المساواة بين المرأة والرجل، في مقابل ذلك نبذ السلوكيات المشينة في المجتمع كالحسد، والعنف، وغيرها.
اهتمام
وأضافت في هذا السياق "الحمد لله، هناك تفاعل؛ لا من خلال الأطفال وأيضا الكبار، خاصة أنني أحاول الاشتغال على شكل مختلف في بناء الحكاية؛ سواء من ناحية اللباس، وكذلك من حيث التركيز على ملامح الوجه، لأجعل المتلقي يعيش تفاصيل الحكاية، ولكأنها واقعية".
بدورها، أكدت الحكواتية أمال مزاوري، على الاهتمام الذي باتت تحظى به الحكاية الشعبية في السنوات الأخيرة أكاديميا وفنيا وإعلاميا في الدول العربية، ضاربة المثال بإمارة الشارقة بدول الامارات العربية المتحدة.
وتابعت مزاوري في حديثها مع "طنجاوي" أن "هناك رعاية خاصة وإقبال متكاثر من طرف كل الفئات في كل الدول العربية؛ إذ إن "الجمهور متعطش لمثل هذا الفن الذي أصبح يقدم الآن في صيغة ترقى بمستوى الفنان والجمهور على حد سواء، وأصبح ينافس باقي الفنون، مشيرة إلى أن الإعلام بكل فئاته (المكتوب، والمسموع، والمرئي) أصبح يواكب الأحداث من البداية حتى نهاية الحدث لما لهذا الفن من خصوصية وجمالية ورقي.
وبخصوص الصعوبات التي تواجه المشتغلين في مجال الحكاية الشعبية بالمغرب سجلت مزاوري "غياب الساحة العمومية، وعدم وجود دعم يجعل الفنان يرقى بمستوى عطائه، وقلة إن لم نقل انعدام الأنشطة أو التظاهرات والمهرجانات التي تجعل المشتغلين في مجال الحكاية يستثمرون إبداعاتهم تقاسم تجاربهم.
كما توقفت الحكاواتية ابنة مدينة طنجة عند "النظرة الدونية للحكواتي والتي صارت ملازمة له رغم تغيير الظروف والمواقف، تقمص شخصية الحكواتي وغياب الإخلاص لهذا الفن، مع غياب مهرجانات الحكاية، باستثناء مهرجان مغرب الحكايات، ومدارس أو أكاديميات تهتم بالحكي.
ودعت إلى ضرورة إدماج الحكاية بالمدارس، وإشراك الجمعيات المختصة، وتعزيز حضور الجمعيات المختصة بهذا الفن.
عادات وتقاليد
وفي المنحنى ذاته، تعتبر نجيمة غزالي طاي طاي، الخبيرة الدولية في التراث الثقافي اللامادي، ورئيسة جمعية "اللقاءات الثقافية والتربية" ، أن الحكاية المغربية خزان للعادات والتقاليد والقيم.
وبينت طاي في تصريح سابق لموقع "الجزيرة. نت" أن الحكاية عبارة عن أرشيف يتضمن طرق عيش الأسلاف والتفاعل مع المحيط الطبيعي كالحيوانات والأشجار والماء ومع الظواهر الكونية.
وتخبر الحكاية الشعبية - بحسب الخبيرة ذاتها- عن نوعية العلاقات بين الأشخاص (الذكور والإناث، والكبار والصغار وبين الفئات الاجتماعية)، وعن أنواع المأكولات والألبسة والأثاث ومساكن مختلف الفئات الاجتماعية، بالإضافة إلى أنها تهذب الصغار وتجيب عن تساؤلاتهم الوجودية.
تنوع لغوي
ولاحظت غزالي أن المتن الحكائي المغربي متنوع من حيث المواضيع والأهداف والمتلقون، حيث تتجاور الحكايات العجائبية والحيوانية والدينية، وهو متنوع من حيث اللغة المستعملة، فبالإضافة إلى العربية الدارجة نجد الأمازيغية والحسانية، وكلها تزخر بتنويعات تبرز الخصوصيات الجهوية والمحلية ومن ثم فإن الحكاية تتيح الاختلاف والتنوع وتحفظ الذاكرات المحلية التي يشكل مجموعها الذاكرة الوطنية.
أما عن الجهود المطلوبة لصيانة هذا التراث وإشاعته لدى الأجيال الناشئة، فترى الباحثة الجامعية والوزيرة السابقة أن أول خطوة تكمن في الاعتناء بالحكواتيين الذين يعتبرون بحق كنوزا بشرية حية وهم في تناقص، بينما تتمثل الخطوة الثانية في فتح أبواب المدارس والمكتبات العمومية في وجه الحكواتيين، ليمارسوا فيها الحكي أمام الناشئة.