طنجاوي ـ يوسف الحايك
مذ كان يافعا، اعتاد محمد ذو 29 ربيعا، مساعدة والده في أعمال الحرث وزرع البذور، مع قدوم كل موسم فلاحي جديد، وأن يقضي الليالي البيضاء، صيفا، في حراسة محصول البصل في حقل أسرته بجماعة السحتريين القروية ضواحي مدينة تطوان، وإعداده للتسويق محليا.
مخاوف
وعكس السنوات الماضية، لا يتردد محمد، الذي يتابع دراسته العليا في جامعة عبد المالك السعدي، في الإعراب عن مخاوفه من تأثر المحصول الزراعي لأسرته سلبا هذه السنة.
مخاوف، يتقاسمها محمد مع عدد كبير من الفلاحين الصغار بالمغرب، في ظل شح التساقطات المطرية التي تعرفها بلدته على غرار مختلف مناطق البلاد.
وقال محمد في حديثه لـ"طنجاوي" إن تأخر التساقطات المطرية بعد أشهر من بداية الموسم الفلاحي الحالي، تسبب في ضرب المحاصيل الزراعية المختلفة، وأثر بشكل كبير على توفير الكلأ للماشية؛ مما دفع الناس في عدد من القرى في شمال المملكة إلى السماح للماشية بالرعي في المحاصيل الزراعية بعد أن فقدت الأمل في موسم فلاحي جيد.
وتوقف محمد عند حجم تأثر الزراعات المعيشية في منطقة الشمال على غرار الخضر والفواكه، مؤكدا أن بعض الفلاحين ممن توفرت لهم الإمكانيات، لجأوا إلى البحث عن موارد مائية لسقي مزروعاتهم، كما هو الحال بالنسبة لزراعة الفول على سبيل المثال ـ في محاولة إنقاذ المحصول من الضياع، في وقت جفت فيه الأنهار واستنزفت الآبار.
وأضاف الشاب العشريني أنه في ظل ارتفاع ثمن الأعلاف بشكل كبير جدا بسبب غياب التساقطات المطرية، اضطر بعض الكسابة إلى بيع ما توفر لديهم من رؤوس المواشي في ظل ضعف الاقبال الذي تعرفه الأسواق من ركود.
وأفاد أن بعض الكسابة جاؤوا إلى الشمال من مناطق مختلفة، محاولين بيع ماشيتهم من أغنام وأبقار، رغم ضعف الاقبال وتراجع الأسعار؛ موضحا أن البقرة التي كان يصل ثمنها 20 ألف درهم، و25 ألف درهم خلال الفترة نفسها من السنوات الفارطة، يصل ثمنها الآن 9 آلاف درهم بسب قلة المراعي.
السدود.. أرقام مقلقة
واقع، يعكسه تراجع حقينة السدود على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة التي بلغت إلى حدود أول أمس الثلاثاء (15 فبراير)، 880.6 مليون متر مكعب، أي ما يعادل 51.14 في المائة من سعة الحقينة الإجمالية لهذه السدود والتي تناهز 1721.76 مليون متر مكعب، مقارنة مع المخزون المائي خلال الفترة ذاتها من العام الماضي حيث وصل إلى 1229.9 مليون متر مكعب، وفق تقرير للمديرية العامة للمياه، التابعة لوزارة التجهيز والماء.
أما وطنيا، فقد أفادت وزارة التجهيز والماء بأن حقينة السدود الرئيسية بالمملكة بلغت إلى غاية 12 يناير 2022، أزيد من 5,50 مليار متر مكعب، بمعدل ملء يقدر بـ 34,2 في المائة. وأوضحت الوزارة في وثيقة حول الوضعية اليومية للسدود الرئيسية الكبرى بالمملكة أن حقينة السدود، خلال الفترة نفسها من السنة الماضية، بلغت أزيد من 6,84 مليار متر مكعب، بمعدل ملء قدر بـ 43,9 في المائة.
موسم كارثي
ويرى محمد بنعطا، المهندس الزراعي المتقاعد، والناشط في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة أن في ظل حالة الجفاف التي تعرفها أغلب الأحواض المائية في المغرب بسبب تأخر التساقطات، باستثناء بعض المناطق؛ كحوض درعا الذي عرف نسبيا بعض التساقطات، يمكن القول إن المغرب لم يعرف لها مثيلا منذ سنوات الثمانينات؛ بفعل توالي مواسم الجفاف لخمس أو ست سنوات آنذاك.
وفي هذا الصدد، قال بنعطا في حديث مماثل "نحن الآن في منتصف شهر فبراير، وبدأنا نقترب من شهر مارس دون تسجيل مطرية مهمة، وهو ما ينعكس سلبا على الموسم الفلاحي وخاصة الحبوب، والقطاني، وإذا ما تم تسجيل تساقطات مطرية لاحقا ربما يمكن أن تنعكس إيجابا على المراعي وتوفير الكلأ للماشية".
وأوضح أنه 90 في المائة تقريبا من المناطق المخصصة للحبوب توجد في المناطق البورية التي تعتمد أساسا على التساقطات المطرية، وتوقيتها خلال الموسم الفلاحي وخاصة أشهر أكتوبر ونونبر ودجنبر.
وأضاف بالقول "الآن، يمكن القول إن التساقطات المطرية تأخرت كثيرا بالنسبة للموسم الفلاحي؛ وبالتالي ستنعكس سلبا على الموسم الفلاحي لاسيما المناطق البورية، بالنظر للحالة الراهنة للسدود، حيث لا تتجاوز وطنيا معدل 33 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية التي وصلت 46 في المائة، والسنة التي قبلها كانت تصل إلى 49 في المائة، وما قبلها كانت 62.6 في المائة.
تحذير !
ونبه إلى أن الخطير في الأمر "هو غياب التساقطات المطرية بشكل كلي؛ مما سيكون له انعكاسات سلبية شاملة؛ ومنها تضرر المزروعات بأنواعها المختلفة والمراعي، وحقينة السدود والفرشة المائية وهذه هي الكارثة الكبرى".
وشدد على أن "الوضع صعب، إلى درجة أننا وصلنا مرحلة يتم فيها في بعض المناطق قطع مياه السقي على الخضروات في انتظار التساقطات".
وأكد أن هذه الظروف "تنعكس سلبا أيضا على الفلاح والكسابة؛ نتيجة ارتفاع أسعار العلف الملتهبة في ظل غياب المراعي وهو ما يدفع الكساب إلى التوجه إلى السوق لبيع رؤوس الماشية إن وجد من يشتري، وإن بثمن بخس".
وذكر بأن "سنوات الجفاف تتوالى، ونسبة ملء السدود تتضاءل وهذا مؤشر خطير، ومن الصعب جدا تدبير الوضع؛ إلى درجة أنه ينبغي التفكير في وضع مخزون استراتيجي على الأقل لضمان مياه الشرب بالنسبة للإنسان والحيوانات".
وحذر من التحول نحو استنزاف المخزون الاستراتيجي الوطني من المياه الجوفية في ظل التوجه نحو حفر آبار بأعماق كبيرة لاستخدامها في السقي، مع احتمال أن تكون السنة المقبلة أيضا جافة، وبالتالي ضرورة توفير مخزون احتياطي.
واستحضر في هذا الإطار، القرارات التي اتخذها مسؤولون في بعض العمالات والأقاليم في جنوب المملكة، بشأن ترشيد استعمال المياه، خاصة الجوفية منها، من خلال السماح للفلاحين بسقي مساحات زراعية محددة، وأنواع بعينها من المزروعات التي يمكن سقيها
ودعا ضرورة الحد من سقي مزروعات تستهلك كميات كبيرة من الماء كما هو الشأن لبعض الفواكه كالبطيخ الأحمر، وهو ما لا يمكن توفيره في ظروف كهذه.
وحث الدولة على العمل من أجل تقديم مساعدات للفلاحين الصغار في ظل هذه الظروف كالأعلاف وغيرها.
توقعات وتحديات
هذا الظرف الذي تواجهه المملكة، يؤكد خبراء اقتصاديون أنه ستكون له لا محالة تأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني خلال هذه السنة.
ويتوقع المحلل الاقتصادي، رشيد ساري أن "الوضع الحالي الذي ينذر بالجفاف بالمغرب، سيغير حتما من التوقعات لقانون المالية لسنة 2022 إذا استمر الوضع على ما هو عليه".
واعتبر ساري في تصريح لـ"طنجاوي" أن "إنتاج الحبوب عكس توقعات قانون المالية بوصول 80 مليون قنطار، لن يتجاوز 30 مليون قنطار؛ إن شهد شهر مارس تساقطات أما إذا استمر شح الأمطار فالوضع سيكون كارثيا".
وأكد أن "غياب الأمطار سيؤدي إلى ارتفاع عجز الميزانية؛ نظرا لاستيراد الحبوب خصوصا في وجود وضع عالمي مضطرب، وسط إرهاصات اندلاع حرب متوقعة ولو بشكل ضعيف بين روسيا وأوكرانيا، باعتبارهما من أهم مزودي المغرب بالقمح إلى جانب فرنسا.
وذهب الخبير الاقتصادي ذاته إلى أن "شح التساقطات المطرية سيؤدي إلى خفض توقع نسبة النمو لقانون المالية للسنة الجارية؛ فعوض تحقيق نسبة 3.2 في المائة المتوقعة، ربما النسبة والوضع الكارثي الحالي لن تتعدى 2.3 في المائة".
بدوره، الحسين الفراوح، الأكاديمي في علم الاقتصاد، ورئيس المركز الافريقي للأبحاث والدراسات في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، سجل أنه بعد موسم فلاحي جيد السنة الماضية، بمحصول زراعي يفوق 103 مليون قنطار من الحبوب وارتفاع القيمة المضافة الفلاحية بالمغرب بـ18 في المائة، يلوح في الأفق موسم فلاحي جاف وصعب، لم يعرفه المغرب منذ 30 سنة تقريبا.
وعزز الفرواح تحليله بما يعرفه الموسم الفلاحي لهذه السنة من نقص كبير في التساقطات المطرية؛ حيث بلغ المعدل الوطني للتساقطات لحد الآن 75 مليمترا، مسجلا بذلك عجزا بنسبة 64 في المائة، مقارنة مع إنتاج موسم فلاحي متوسط؛ مما أدى إلى انخفاض كبير في حقينة مختلف السدود بالمملكة.
وصرح لـ"طنجاوي" بأن "الوضعية المناخية والمائية الحالية ستؤثر سلبا بدون شك على سير الموسم الفلاحي؛ خاصة الزراعات الخريفية والغطاء النباتي، وتوفير الكلأ للماشية ومحصول الحبوب الذي يتوقع ألا يصل إلى 70 مليون قنطار كما هو مسطر في قانون مالية 2022، مبرزا اعتماد الاقتصاد الوطني بشكل كبير على القطاع الفلاحي لتحقيق نسب نمو اقتصادي مهمة".
وزاد بالقول إنه "كلما كان الموسم الفلاحي جيدا، كلما كانت نسبة النمو مرتفعة والعكس صحيح، ويتوقع على هذا الأساس أن لا تتجاوز نسبة نمو الناتج الداخلي الخام الإجمالي 3 في المائة مع ارتفاع نسبة البطالة بالعالم القروي التي لا تتجاوز حاليا 5 في المائة".
تدابير استعجالية
وتابع أن هذا المستجد، فرض على الحكومة التفكير في جملة من التدابير الاستعجالية الضرورية والاستباقية، لمواجهة آثار نقص التساقطات المطرية على القطاع الفلاحي، ومن ذلك إعداد برنامج استثنائي بمبلغ 10 مليار درهم، يهدف إلى التخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية، والحد من تأثير ذلك على النشاط الفلاحي، وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين، من خلال حماية الرصيد الحيواني والنباتي، وتدبير ندرة المياه، والتأمين الفلاحي، إضافة إلى التخفيف من الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين، وتمويل عمليات تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، علاوة على تمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال السقي.
وأكد على أن من شأن هذه التدابير الاستعجالية "التخفيف من تداعيات الجفاف السلبية خصوصا على الفلاحين والحفاظ على مكتسبات المخطط الأخضر الفلاحي، والاستمرار في تزويد الأسواق بالمنتوحات الفلاحية النباتية وغير النباتية في انتظار ما ستجود به السماء من تساقطات مطرية في الأسابيع المقبلة".
اهتمام ملكي
واستقبل الملك محمد السادس، أمس الأربعاء (16 فبراير)، بالإقامة الملكية ببوزنيقة، كلا من رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد الصديقي.
ووفق بلاغ للديوان الملكي فقد أكد الملك على ضرورة اتخاذ الحكومة لكافة التدابير الاستعجالية الضرورية، لمواجهة آثار نقص التساقطات المطرية على القطاع الفلاحي (...).
وذكر البلاغ أنه "تفعيلا للتوجيهات الملكية السامية الاستباقية، بهذا الخصوص، يهدف البرنامج الاستثنائي الذي أعدته الحكومة، للتخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية، والحد من تأثير ذلك على النشاط الفلاحي، وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين".
وأورد البلاغ أن "جلالة الملك أمره السامي، بأن يساهم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بمبلغ ثلاثة ملايير درهم في هذا البرنامج، الذي سيكلف غلافا ماليا إجماليا يقدر بعشرة ملايير درهم".
وأبرز أن هذا البرنامج يرتكز على ثلاثة محاور رئيسية؛ أولها حماية الرصيد الحيواني والنباتي، وتدبير ندرة المياه، وثانيها التأمين الفلاحي، وثالثها تخفيف الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين، وتمويل عمليات تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، علاوة على تمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال السقي".
انحباس المطر.. يوعابد يفسر
مناخيا، فسر الحسين يوعابد، رئيس مصلحة التواصل بالمديرية العامة للأرصاد الجوية، ضعف التساقطات المطرية الملحوظ خلال فصل الشتاء في المغرب وجنوب أوروبا، بالأحوال الجوية والمناخية غير المواتية.
وقال يوعابد في تصريح أدلى به لوكالة المغرب العربي للأنباء يوم الجمعة (11 فبراير)، إن "الأحوال الجوية تميزت خلال فصل الشتاء بوجود مرتفع الآصور، وهي منطقة ذات ضغط جوي مرتفع تقع في شمال المحيط الأطلسي، وتمتد إلى جنوب أوروبا وحوض غرب البحر الأبيض المتوسط والمغرب".
وأضاف المسؤول أن هذا الوضع "أثر على الأحوال الجوية لهذا الموسم، ليسود طقس مستقر وهادئ وجاف بشكل عام".
وأوضح أن "الموقع المتمركز للمرتفع الآصوري بالقرب من المحيط الأطلسي وحوض البحر الأبيض المتوسط، يدفع الجزء الأكبر من الاضطرابات الجوية، التي تتسبب في هطول الأمطار، نحو الشمال والجزر البريطانية، وكذلك في اتجاه أوروبا الشرقية والبلقان والشرق الأوسط".
وكشف أن "معدل هطول الأمطار التراكمي المسجل على المستوى الوطني من 1 شتنبر 2021 إلى 31 يناير 2022 هو 38.8 ملم، مقابل معدل مناخي عادي بلغ 106.8 ملم تم تسجيله خلال نفس الفترة ما بين عامي 1981 و2010، أي بعجز بلغت نسبته 64 في المائة"، مشيرا إلى أن العجز المسجل مقارنة بالموسم السابق 2020-2021 بلغ 53 في المائة".
صلاة الاستسقاء
ورفعت جموع المصلين، يوم الجمعة (4 فبراير) الجاري، بجميع مساجد المملكة أكف الضراعة إلى الله طلبا للغيث.
جاء ذلك، بحسب ما أعلنت عنه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الخميس (3 فبراير)، بأمر من أمير المؤمنين، الملك محمد السادس، "نظرا لظروف الاحتراز من الوباء التي يتعذر معها إقامة صلاة الاستسقاء على الوصف المعهود".
كما تم إلقاء خطبة موحدة في المساجد تتضمن بيان مغزى هذه السنة المباركة، وروح التضرع التي يتوجه بها المؤمنون والمؤمنات إلى الله في مثل هذه المناسبة، وبرفع الدعاء المعتاد في صلاة الاستسقاء، بعد صلاة الجمعة، وهو الوارد عن رسول الله في قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اسق عبادك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين".