نشر الحسن حداد، وزير السياحة المغربي، مقالا باللغة الفرنسية في صحيفة " الهافينغتون بوسط"، حول رهان المغرب لاقرار نموذج لاسلام معتدل متسامح ووسطي، ونظرًا لاهمية الأفكار الواردة في هذا المقال، ارتأى موقع " طنجاوي" ترجمته الى العربية تعميما للفائدة.
-----------------------------------------
ترجمه: إسماعيل الصادقي
في الوقت الذي يدور فيه النقاش في فرنسا حول العلمانية ومكافحة المعاداة للسامية والعنصرية، وتوافق الإسلام مع نظام الجمهورية الفرنسية، يبقى المغرب ملتزما بإسلامه المعاصر والمتسامح، والذي جعله نموذجا للاعتدال والوسطية بين باقي الدول العربية والإسلامية.
لطالما كانت المملكة المغربية أرضا ترحب بجميع الأديان والطوائف، بشرط احترام قوانينها ونظمها، وهو المبدأ الذي يؤكده الدستور المغربي لسنة 2011 في فصله الثالث: "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية." كما يجعل الدستور المغربي من ملك البلاد 'أميرا للمؤمنين'، وهو ما يعطيه. سلطات وصلاحيات في الميدان الديني، ويجعله مصدرا ورمزا للوحدة الدينية في البلد.
كما إن دستور المملكة المغربية يشجع على التعايش بين مختلف الأديان والطوائف، ويرجع ذلك لكون الغالبية المسلمة من الشعب المغربي قد تعايشت بشكل طبيعي ومنسجم في الماضي مع أقليات يهودية ومسيحية أخرى، والتي لطالما أشادت بالحرية التي لاقتها أثناء ممارسة شعائرها الدينية، دون أن تتعرض لمضايقات أو اعتراضات من الغالبية المسلمة. وفي هذا السياق، فإن معظم المدن المغربية الكبرى تعرف تواجد البيع (المعابد اليهودية) والكنائس إلى جانب المساجد، بالإضافة إلى كنائس كاثوليكية وأرثودوكسية، والمتحف اليهودي المغربي الذي يعد الوحيد من نوعه في العالم العربي. كما لا نغفل أيضا ذكر المقابر اليهودية والمسيحية، والتي تمت إعادة ترميمها في عهد الملك محمد السادس.
وعلى الرغم من مدى التسامح والتعايش السائد في البلد، فإن المملكة واعية بمدى صعوبة الوضع الحالي، وذلك بالنظر إلى السياق العالمي البعيد عن الاستقرار،والذي أصبح يشهد باستمرار عمليات إرهابية ينفذها تنظيم 'داعش'، إلى جانب جماعات متطرفة أخرى في أوروبا وإفريقيا. ذلك ما دفع المغرب إلى تبني سياسة دينية معتدلة وذلك عن طريق الترويج لإسلام معاصر ووسطي، وقد تم تجسيد هاته الاستراتيجية عبر خلق مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، وإنشاء مركز تعارف للبحث والتكوين في العلاقات بين الأديان.
ويعتبر المغرب حاليا نموذجا في التكوين في الإسلام الوسطي الذي يعد بديلا عن المقاربة الأصولية والمتطرفة، التي تتبناها الجماعات الجهادية، وهو ما دفع العديد من الأئمة القادمين من دول افريقيا جنوب الصحراء وأروبا وبالتحديد من فرنسا، إلى الاتجاه للرباط عاصمة المملكة المغربية، بهدف الاستفادة من تكوين ديني يتماشى مع قيم التسامح والتفتح وينبي على أحدث تكنولوجيات التكوين العلمي. كما إن المملكة لا تتردد في إرسال بعض العلماء والأئمة لتقديم ندوات ودروس في مساجد فرنسية وأوروبية وفي إفريقيا جنوب الصحراء.
لقد تمكن المغرب، في ظل مكافحته للتطرف والإرهاب، من وضع استراتيجية تركز على الجانب الديني بقدر ما تركز على السياسة الأمنية، وهو ما يبين طموح المملكة في إعطاء الشباب بديلا معتدلا عن الخطاب الجهادي المتطرف، وهي الاستراتيجية التي أثبتت فاعليتها حتى الآن، والتي جعلت من المغرب واحدا من الدول الأكثر استقرار في منطقة شمال إفريقيا المشتعلة بنيران الإرهاب.