د، محمد عزيز الطويل
توجت منارة رأس سبارتيل التي تشارف على الذكرى 160 لتأسيسها، بجائزة المنارة التراثية لسنة 2023، من قبل الجمعية الدولية للتشوير البحري، بعد انعقاد المجلس في دورته 76 بالبرازيل شهر دجنبر 2022. وقد سلمت بطنجة يوم الثلاثاء 4 يوليوز. وبهذا تكون أول منارة عربية وإفريقية تحصل على هذه الجائزة وهذا اللقب (المنارة التراثية). ويأتي التتويج بعد قيام مديرية الموانئ والملك والعمومي البحري بوضع ملف الترشيح، الذي يجب أن يستوفي ثلاثة شروط:
▪ توفر المنارة على الطابع التراثي والأهمية التاريخية
▪ مستوى صيانة المنارة والمحافظة على البناية من الداخل والخارج، إضافة إلى الاهتمام بمحيط المنار
▪ فتح المنارة أمام العموم والتعريف بالثقافة البحرية
وجدير بالذكر أن هذه الجائزة انطلقت سنة 2018، حيث فازت منارة "كوردون" الفرنسية بها سنة 2019، ثم منارة "سانتا أنتونيو دي بارا" البرازيلية سنة 2020، ثم منارة "كاب بايرون" الأسترالية سنة 2021، ثم منارة "هوميكون " الكورية الجنوبية سنة 2022.
وتشكل هذه الجائزة رمزية كبيرة بالنسبة لمدينة طنجة والمغرب عامة، فمن شأنها تعزيز الجاذبية السياحية لطنجة، وتقوية التسويق الترابي للجهة. خاصة ما تختزله المنارة من أهمية تاريخية بالغة في تاريخ المغرب لعدة اعتبارات أبرزها:
▪ أن المنارة تشكل أول اتفاقية لتدويل القضية المغربية، فبعدما كان المغرب يعقد اتفاقيات ثنائية مع الدول الأوربية، شكلت اتفاقية المنارة تحولا حيث وقع المغرب مع عشر دول حول تسيير المنارة والاهتمام بصيانتها
▪ أن المنارة تشكل المنطقة الوحيدة التي لم تخضع للنظام الدولي بطنجة، حيث أن تسييرها ظل مرتبطا باتفاقية تأسيسها
▪ الأهمية الاستراتيجية والأدوار الإنسانية التي مارستها المنارة ولا زالت في إرشاد السفن وإنقاذهم من الصخور والأجراف الصخرية
وتعد منارة رأس سبارتيل من أقدم المنارات المغربية، حيث شكل حادث تحطم المركب الشراعي "كالي" يوم 17 أبريل 1852، ثم تحطم السفينة البرازيلية "دونا إيزابيلا" والتي أودت بحياة 250 طالبا بحريا سنة 1860. إلى قيام الهيئة الدبلوماسية بطنجة إلى الضغط على السلطان محمد بن عبد الرحمن من أجل تشييد منارة برأس سبارتيل. وبعد موافقة السلطان على الطلب، شرع في بناء المنارة سنة 1861 تحت إشراف مهندس فرنسي وتمويل مغربي، لتنتهي الأشغال سنة 1864، ونظرا للأهمية الاستراتيجية والمخاوف من التنافس ونشوب الحرب بين الدول الأوربية، قامت بريطانيا وفرنسا وإسبانيا بالتماس لدى السلطان من أجل وضع اتفاق يضمن حياد المنارة في حالة الحرب والنزاع. وفي هذا الصدد وجه السلطان سيدي محمد رسالة إلى نائبه محمد بركاش يخبره من خلالها على موافقته ومصادقته على اتفاقية منارة رأس سبارتيل "فقد وصلنا كتابك وصحبته شروط قوانين الفنار التي وقع العقد عليها بينكم وبين نواب الأجناس، وذكرت أن نظائرها حازها النواب ووجهوها لسلاطينهم لتطبع بطوابعهم ، وطلبوا أن نطبع هذه بطابعنا الشريف، والسلام ." هكذا وقعت عشر دول أوربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية على اتفاقية منارة رأس سبارتيل يوم 31 مايو 1865، حيث تكونت الاتفاقية من سبعة فصول ، حيث نصت المادة الأولى على "أن صاحب الجلالة سلطان المغرب ولأجل مصلحة الانسانية، أمر ببناء منارة برأس سبارتيل على نفقة الحكومة المغربية، وسيعهد خلال مدة هذه الاتفاقية بإسناد الإدارة العليا وتدبير شؤون هذه المؤسسة إلى ممثلي القوى المتعاقدة، دون أن ينقص ذلك شيئا من حقوق الملكية أو سيادة السلطان، ولا يرفع فوق برج المنارة أي علم غير علم المغرب".
وإلى جانب هذه المنارة، هناك منارات أخرى أبرزها، المنارة التي كانت عند مدخل دار الدباغ، ثم منارة مالاباطا أنشئت سنة 1924، ثم منارة حي الشرف سنة 1949، في الوقت الذي كانت خلاله طنجة خاضعة للنظام الدولي.
وقد مرت منارة "رأس سبارتيل" بعدة تطورات، حيث اعتمدت في بدايتها على الإنارة بواسطة مصابيح الزيت، وشهدت سنة 1892 إنشاء عمود الإشارة في المنارة لإرسال إشارات بصرية للسفن خلال النهار، واعتمدت المنارة منذ سنة 1905 على الإنارة بالنفط، وإنشاء صفارة الإنذار المشهورة المستعملة وقت الضباب. وتم الرفع من قوة الفنار من 6000 إلى 20000 شمعة. وستشهد المنارة أشغال الصيانة والترميم لأول مرة سنة 1926، كما ستصل قوة الفنار إلى 300000 شمعة سنة 1931. وتم إضافة التوجيه اللاسلكي لتمكين السفن من تحديد موقعها سنة 1937. وستعتمد المنارة على الطاقة الكهربائية سنة 1950 حيث ستصل قوة الفنار إلى 6000 واط. وفي إطار العناية المولوية السامية لجلالة الملك محمد السادس بطنجة وتأهيل تراثها ونسيجها العمراني، شهدت البناية أشغال الترميم والتثمين سنة 2013، لتفتح أمام العموم في السنتين الأخيرتين، ولتصبح بذلك جوهرة المسارات السياحية بطنجة، ومعلمة تاريخية لا يمكن لأهل طنجة وزوارها إغفاله. ونظرا لأهمية المنارة تم وضع صورة المنارة ضمن ظرف وطابع بريديين سنة 1964 بمناسبة الذكرى المائوية لتأسيسها، كما تم تخليد ذكرى منارة رأس سبارتيل سنة 2013 بعد وضع بنك المغرب صورة المنارة على الجهة الخلفية للورقة النقدية من فئة 200 درهم. كما كانت المنارة حاضرة في فعاليات افتتاح الموندياليتو الكروي الذي احتضنته طنجة هذه السنة، كمنارة تربط بين مختلف عواصم العالم، بما تشكلها من تعايش وتواصل بين الشعوب والحضارات.