أخر الأخبار

الندوي يكتب: رؤية استراتيجية لمكافحة الفساد ببلادنا

طنجاوي - بقلم : د.محسن الندوي

 

يعد الفساد مشكلة أساسية تواجه التنمية، والفساد ليس مجرد إهدار للموارد فحسب ، بل هو السبب في إساءة استخدام السلطة ، وإضعاف الثقة.وبدأ الفساد يحتل مساحة واسعة في الاهتمام السياسي والإعلامي، ولكن هذا لا يعني أنه ظاهرة جديدة، فالفساد ظاهرة عرفتها كافة المجتمعات في كل الأزمنة والعصور، ويمكن القول إنه ظاهرة عالمية ومستمرة، لا تخص مجتمعا بذاته أو مرحلة تاريخية بعينها.

 ويعرف البنك الدولي الفساد وفق مؤشرات معينة، مثل دفع الرشوة و العمولة المباشرة إلى الموظفين والمسؤولين في الحكومة، وفي القطاعين العام والخاص لتسهيل عقد الصفقات، وتسهيل الأمور لرجال الأعمال والشركات، ووضع اليد على المال العام والحصول على مواقع متقدمة للأبناء والأصهار والأقارب في الجهاز الوظيفي وفي القطاع العام والخاص. وقد أعلن رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم سابقا  أن الفساد هو "العدو الأول للشعب" في البلدان النامية.

ان عملية مكافحة الفساد بالمغرب تستمد مرجعيتها الوطنية من التوجيهات الملكية السامية حيث أن الملك محمد السادس قد أشار في خطاب العرش لسنة 2011 على “أن التعاقد الاقتصادي الجديد، يقتضي الاهتمام بمنظومة الإنتاج الاقتصادي، وإذكاء روح المبادرة الحرة، خاصة من خلال تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، بما ينسجم مع روح الدستور الجديد، الذي يكرس دولة القانون في مجال الأعمال، ومجموعة من الحقوق والهيئات الاقتصادية، الضامنة لحرية المبادرة الخاصة، ولشروط المنافسة الشريفة، وآليات تخليق الحياة العامة، ولضوابط زجر الاحتكار والامتيازات غير المشروعة، واقتصاد الريع، والفساد والرشوة “.

ومافتئت الخطابات الملكية تذكر الحكومات المتعاقبة بمكافحة الفساد ففي الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الرابعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (مراكش 24 أكتوبر 2011.) ورد فيها “فقد أضحت مسألة مكافحة الفساد في مقدمة الانشغالات الملحة للمواطنين، ذلك أن آفة الرشوة لم تعد اليوم مجرد مشكلة داخلية لهذا البلد أو تلك المنطقة، بل أصبحت معضلة ذات أبعاد دولية متداخلة مع عدة جرائم أخرى عابرة للحدود، ساهمت العولمة والتقدم التكنولوجي في تعقد أنماطها وأشكالها”. 

ودستوريا ، تتولى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة.

اما مكافحة الفساد يعد مجالا التقائيا وطنيا تتلاقى فيه الحكومة مع باقي الفرقاء من مؤسسات الحكامة والمجتمع مدني والقطاع خاص.

لذلك اعتمدت المملكة المغربية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2016-2025  وقد تم إعدادها وفق مقاربة تشاركية ضمت ضمن لجنة الاشراف عند اعدادها أعضاء من الحكومة و من غير الحكومة  كالمجلس الأعلى للحسابات  والهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة ومحاربتها و الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة  وغيرها و التساؤل المطروح اين وصل تنفيذ هذه الاستراتيجية الطموحة ؟

إن مشكلتنا الأساسية في مثل هكذا استراتيجيات وطنية هوالتتبع في تنفيذها. إذ بمجرد ما تأتي حكومة تنسف استراتيجية لحكومة سبقتها و هكذا . لذلك يجب القطع مع عدم استمرارية الاستراتيجيات من حكومة إلى أخرى خاصة إذا تم التوافق بشأنها وطنيا من قطاعات حكومية و غير حكومية .

كما تم إحداث لجنة وطنية لمكافحة الفساد وفق مقتضيات المادة الثانية من المرسوم رقم 2.17.582 الصادر بتاريخ 6 نونبر 2017، وهي لجنة يرأسها بالصفة رئيس الحكومة وتضم في عضويتها ممثلين عن بعض السلطات الحكومية والهيئات والمنظمات ذات الصلة فضلا عن ممثلين عن القطاع الخاص والمجتمع المدني، وتضطلع السلطة الحكومية المكلفة بإصلاح الإدارة بمهام الكتابة الدائمة لهذه اللجنة وتسهر بهذه الصفة على إعداد أشغالها وتتبع تنفيذ قراراتها. 

و يظل التساؤل يطرح نفسه ما مصير هذه اللجنة في تفعيل وتنزيل و تحقيق أهدافها؟

ان مؤسسات الحكامة تقوم بواجبها في مكافحة الفساد كالمجلس الأعلى للحسابات و الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها و كذا المفتشية العامة للإدارة الترابية بفضل تقاريرها تم إيقاف العديد من المفسدين في الجماعات و إحالتهم على القضاء .

و مايمكنني قوله هو أن الفساد ليس مشكلة سياسية اقتصادية او إدارية فحسب، بل إنه في الصميم مشكلة أخلاقية.فالمبادئ مثل الضمير الحي و الأمانة  والعدل مثلا مرتبطة بالتربية و الاخلاق وينبغي العمل على تدارك الأمر من خلال اعتماد التربية في المقررات الدراسية خصوصا بالتعليم الابتدائي أساسا .

وبخصوص رؤيتي الاستراتيجية في هذا الشأن:

- ينبغي العمل لدى الحكومات المتعاقبة بالاستراتيجيات الوطنية التي يشارك في صياغتها الحكومة و مؤسسات الحكامة و المؤسسات المعنية حتى و ان كانت مدة زمنها تتجاوز ولاية الحكومة ، اما ان اقتصرت الاستراتيجية على صياغة من الحكومة فقط دون مشاركة اطراف أخرى فيجب ان تمتد مدتها الزمنية لغاية مدة الولاية الحكومية و لا تتجاوزها.

- ينبغي احداث لجنة لتتبع تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد2016-2025.وتمديد مدتها الزمنية لغاية 2030.

- تفعيل برامج الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد المتمثلة في التربية والتكوين، تحسين خدمة المواطن، رقمنة الخدمات الإدارية، الشفافية و الوصول الى المعلومات، الاخلاقيات والنزاعة وتعزيز تكافؤ الفرص، الرقابة و المساءلة، تتبع ونزاهة الطلبيات العمومية، نزاهة القطاع الخاص، مراجعة الاطار القانوني المتعلق بمكافحة الفساد.

-ينبغي الإعلان و الاعلام لتفعيل البوابة الوطنية للنزاهة و المنصة المتعلقة بتلقي الشكايات والتبليغات والمعلومات المرتبطة بأفعال الفساد .

-تعزيز دور المجتمع المدني بتعديل القانون المنظم للجمعياتبتأسيس جمعيات ومنظمات غير حكومية متخصصة في الشؤون المالية والإداري  تقوم بأنشطة تحسيسية و تأطيرية مرتبطةبالمراقبة المتصلة بمكافحة الفساد .

- الاعتماد على التربية بالفهم و ليس بالاستظهار في مستوى التعليم الابتدائي لخلق جيل جديد متشبع بالقيم الاسلامية والاخلاق و التربية على حب الوطن.

-التفكير بجدية في إلغاء الانتخابات الجزئية  لملء مقاعد شاغرة، بعد تجريد المنتخبين إثر إدانتهم قضائيا بسبب الفساد بمثابة عقوبة للكثير من الأحزاب السياسية لتزكيتهم المفسدين .

- تعديل القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم أشغال الحكومة خاصة المادة 32 منه ، إذ من الجدية ان يتفرغ الوزير لمهامه الوزارية دون أن يكون بالموازاة رئيسا لمجلس جماعي او غرفة مهنية اومجلس عمالة او مجلس اقليم .

- اقصاء البرلمانيين المتابعين في الفساد و ايضا المنتخبين الجماعيين و الوزراء من الإعادة للحياة السياسية مدى الحياة 

-عدم السماح للوزراء الذين تم إعفاؤهم سابقا ، من الاستوزارمستقبلا حتى وان كان حزبهم تصدر المشهد السياسي في الانتخابات التشريعية ؛ 

- الغاء تعويضات الوزراء الخاصة بالتقاعد وتكفيهم تعويضات نهاية المهام الوزارية إلا إذا قدم الوزير طلبا يشتكي فيه من وضعيته المعيشية مزرية و ينبغي إثبات ذلك .

-وضع ميثاق أخلاقي للحياة السياسية تضعه الدولة وعلى كل حزب سياسي جديد و ايضا الاحزاب القائمة التوقيع عليه.

 

 

* رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي 'tanjaoui.ma'

تعليقات الزوّار (0)



أضف تعليقك



من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

أخر المستجدات

تابعنا على فيسبوك

النشرة البريدية

توصل بجديدنا عبر البريد الإلكتروني

@