أخر الأخبار

حيون يكتب: هل انتهى دور الأحزاب؟!

طنجاوي- بقلم: عبد العزيز حيون

 

بداية، لا يمكن أن نتصور المشهد السياسي الوطني بدون أحزاب، وهي التي كانت دائما في طليعة الأحداث وفاعلا أساسيا في التطور الديمقراطي للبلاد، وحلقة أساسية في كل الأشواط التي قطعتها المملكة المغربية لإرساء البناء الديموقراطي ،وهي كذلك المدافع الناضج عن قضايا الوطن والمجتمع حتى في أوقات الشدة وفي أحلك الظروف وأصعبها.

 

ولا يمكن أن نتصور أن تلك الأحزاب التي قادها زعماء حقيقيون من ذوي النفوذ التاريخي وشخصيات ذات ثقل سياسي كبير والتي لم تحب أبدا الزعامة من أجل الزعامة أولمجرد حب الظهور والتصدر والتبجح والتباهي والعجرفة الصبيانية… هي نفس الأحزاب التي ،للأسف الشديد، يسيئ البعض منها الآن إلى الممارسة الديموقراطية الصحيحة عبر "اعتماد" قيادات بلغت منصبها عبر آليات داخلية ليست شفافة بالمرة، وتولت وتتولى المناصب عبر طرق ملتوية تسيئ الى الفعل السياسي الجاد ،وتسيئ الى الحزب نفسه وتاريخه الحافل و الى قيم التدبير المؤسساتي الناضج.

 

ولا يمكن أن نتصور أيضا أن الأحزاب، التي ساهمت في مواجهة الاستعمار الغاشم وتحرير البلاد… وكان لها حضور سياسي قوي وعميق يضرب له ألف حساب وتعتبر مكونا بارزا من النظام الديمقراطي وفي التنشئة السياسية وفي القرار السياسي وفي تأطير المواطنين وفي تدبير الشأن العام ،تصبح الآن عاجزة عن حماية الديموقراطية الداخلية وتتخلى عن أبسط المبادئ السياسية، لتصبح في نهاية المطاف عبرة سلبية تضع الأحزاب برمتها موضع شك وريبة.

 

كما لا يمكن أن نتصور أن الأحزاب التي من أدوارها المساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية، كما ينص على ذلك بكل وضوع دستور يوليوز 2011، تولي ظهرها لممارسات ديموقراطية طالما اعتبرتها كُنه الفعل الديموقراطي الجاد وشكلت شعاراتها البارزة في كل المحافل السياسية والاستحقاقات الانتخابية.

 

لقد أوجب الفصل السابع من دستور 2011، دون أن أتحدث عن الأخلاقيات الذاتية المفروض أن تتبناهى الأحزاب، بأن يكون تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها مطابق للمبادئ الديمقراطية وتأهيل المشهد السياسي وتخليق الحياة السياسية، ما يفرض على الأحزاب السياسية أن تكون هي النموذج والمثال الساطع، إذ لا يمكن أن تطالب بالشيئ وتمارس نقيضه وتقوم بسلوكات يتعارض فيها القول مع الفعل ولا يتفق ما تدعيه مع تصرفاتها الفعلية.

 

نعم، لا أحد يمكن أن يتغاضى وينكر دور المناضلين الشرفاء في الأحزاب السياسية، الذين ساهموا فعلا في تطوير الممارسة الديموقراطية والتعريف والدفاع عن القضايا الوطنية العادلة، كما لا أحد ينكر دور الأحزاب الفعلية في تكوين وتأهيل نخب قادرة على تحمل المسؤوليات العمومية، لكن لا أحد يمكن أن يقبل بالإقصاء الممنهج الذي تمارسه أحزاب سياسية لمناضليها و"استبدالهم" بـ"قيادات جاهزة ومناضلين على المقاس"، وهو الأمر الذي تسبب في نفور المجتمع من العمل السياسي والتشكيك في أهداف الأحزاب ومرامي قياداتها ،التي منها من بلغت مواقعها بطرق ملتوية وغير سوية أو بفضل القرب العائلي و"النسوبية" والانتماء الجغرافي ،ما أفقد التطوع والتضحية والنضال المعنى السليم له.

 

هناك أحزاب مغربية تتعلل اليوم بكون الوسائل القانونية تقيدها وتحبط عزيمتها وتضيق عملها وتُكبل مبادراتها وامتدادها المجتمعي والترابي، مع العلم أن الأحزاب هي نفسها المُكون للسلطتين التشريعية والتنفيذية وبالتالي هي المُشرع وهي المُنفذ وهي المشارك في الحكم وهي المدبر للعمل الوزاري وهي التي ترأس الحكومة وترأستها، كما يؤطر عملها أسمى قانون في البلاد ،الدستور المغربي لـ 2011، الذي ساهم في تعزيز الآليات الدستورية الخاصة بالأحزاب السياسية، وقوى من دورها للانتقال من مجرد قنوات بسيطة للتأطير إلى صرح للممارسة السياسية السليمة وتأهيل المشهد السياسي، وكذا تخليق الشأن العام والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة.

 

كما أن القانون رقم 04-36 المتعلق بالأحزاب السياسية هو "ثمرة توافق" بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية والفعاليات المجتمعية ليكون المدخل الحقيقي الذي يوفر البيئة المناسبة والصحيحة لتكون الأحزاب ،على اختلاف خلفياتها الإديولوجية وحجمها وقوتها الفعلية، المشتل الحقيقي للديمقراطية وللمواطنة، وليس العكس، وبالتالي فالكرة في ملعب الأحزاب لإصلاح المشهد الحزبي دون أن تنتظر قرارات من جهة ما تعتبرها ،بعقلها الباطني، وصية عليها.

 

ولا أفهم شخصيا لماذا غالبية الأحزاب تشكك في فاعلية المنتخبين وقدراتهم الفكرية والأكاديمية، وهي من يختار المرشحين للانتخابات ويزكيهم، وهي الموكول لها نشر التربية السياسية وحمايتها من كل شطط وتعزيز مشاركة المواطنين في الحياة العامة، ووضع وتطبيق البرامج السياسية وإعداد واختيار النخب التي تحتاجها المؤسسات المنتخبة على مختلف مستوياتها التمثيلية.

 

من وجهة نظري، إرساء مبادئ الديمقراطية والشفافية والمساواة يجب أن ينطلق من داخل الأحزاب ومن داخل هياكلها، ليس فقط لأن القانون التنظيمي للأحزاب السياسة يحدد الآليات التي من شأنها المساعدة على إرساء وتقوية هذا الاتجاه وعقلنة المشهد السياسي والنهوض بعمل الأحزاب السياسية للقيام بدورها الدستوري في تأطير المواطنين وفي تمثيليتهم وفي التداول على السلطة، بل لأنها المعني الأول بالممارسة الديموقراطية النزيهة قبل أن تحاسب الغير على ذلك.

 

ومن المضحك أن نسمع بعض قيادات الأحزاب المغربية تتذرع بحجج واهية وتستخدم أعذارا لتسوغ سلوكها غير السوي وتغطي على هوانها وتشتكي من ضعف الإمكانات المالية لتبرر كسلها وعدم اجتهادها ومحدودية توسعها الجغرافي وانصهارها العميق في المجتمع ومواكبتها لتطورات المجتمع والحياة السياسية في البلاد، مع العلم أن الحزب السياسي يجب أن يقوم عمله على النضال والعمل التطوعي دون مقابل مادي ومساهمات المناضلين كل حسب قدرته واقتناء صحافة الحزب كواجب نضالي، كما كان عليه الحال دائما داخل الأحزاب الجماهيرية.

 

كما أن الحملات الانتخابية والمحطات النضالية والتنظيمية المسترسلة كانت تكلف النزر اليسير، فيما أصبحت الأحزاب الآن تعتمد على الممونين والشركات المتخصصة في "التخطيط" وتنظيم الفعاليات والأحداث المختلفة، تتنوع خدماتها ما بين تنظيم المؤتمرات وتوفير اللوجستيك وتوفير الورود والأزهار والديكور الجميل وحراس الأمن ،الذين لم يكن لهم حضور في السابق ، وتنظيم "الحفلات والمناسبات " إلى وضع "البرامج الانتخابية " والقيام بالحملة الانتخابية وإعداد "آليات الاستقطاب"، لتُغيب بالكامل الالجن الوظيفية والمنظمات الموازية للأحزاب التي أصبح حضورها، إن وجدت ، فقط لملء القاعات والتصفيق " للزعيم ". 

 

في رأيي، الأحزاب كضمير الأمة الحقيقي ، إما أن تكون أو لا تكون، و عليها أن تبرر وجودها القانوني والمجتمعي والأخلاقي كما هو جاري به العمل في أعرق الديموقراطيات، أو تنسحب بهدوء من مشهد سياسي يعج، حسابيا، بأحزاب لا جدوى من أغلبها.

 

 كما على الأحزاب أن تطلع بدورها الكامل إزاء المجتمع، بالشجاعة والجرأة السياسية اللازمة والحكمة، وتتخذ المواقف المشرفة وتمارس ما هو مطلوب منها بدون الاختباء وراء حجج لا تستند الى منطق أو حقيقة، كما عليها أن تتجاوز المشاركة السطحية وردود الأفعال اللحظية إلى الفهم العميق للقواعد السياسية وقضايا المجتمع و القيام بالممارسة السياسية الناضجة، أو تنسحب بهدوء من المشهد السياسي وتترك المجال لمن هو جدير بهذا العمل الشريف، الذي كان يقتصر على رجالات من طينة الكبار، علما وأخلاقا ونزاهة ولا يكلون ولا يملون في قول الحق والصدع والجهر به .

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي 'tanjaoui.ma'

تعليقات الزوّار (0)



أضف تعليقك



من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

أخر المستجدات

تابعنا على فيسبوك

النشرة البريدية

توصل بجديدنا عبر البريد الإلكتروني

@