طنجاوي - بقلم: عبد العزيز حيون
انتظرت بضعة أيام حتى أطلع على رد فعل ممثلة الشعب التي سبت أصحاب الهمم لعلي أسمع منها ولو اعتذارا بسيطا أخلاقيا عن عباراتها القدحية لكل من تضرر من كلامها… وتسحب أمام الملأ تصريحاتها علانية وبشكل ظاهر للعامة .
ممثلة الشعب، لا يعاب عنها فقط أنها تفوهت بكلام خارج السياق تجاه فئة لم تحد أبدا إعاقتها الجسدية من المساهمة الفاعلة في المجتمع ربما أكثر من كثير من البرلمانيين في بلد دستوره يضمن المساواة، بل يعاب عنها أيضا أنها قالت كلاما يمس جزء كبيرا من الشعب ،من أصحاب الهمم وعوائلهم وأصدقائهم، تحت قبة مؤسسة تشريعية من المفروض أن يسمع فيها صوت الشعب ويكن لها المغاربة كل التقدير الواجب.
احترام أصحاب الهمم لا يجب أن يكون لإعاقتهم ومحدودية قدراتهم، بل احترامهم واجب لما يقدموه للمجتمع من عمل مفيد وتضحيات جسام وأفكار نيرة لا نسمعها حتى تحت قبة البرلمان من بعض البرلمانيين الذين لا يمثلون من منحهم صوته ومناطقهم وتنظيماتهم، بل يمثلون للأسف مصالحهم… كما أن الدور الذي تقوم به الجمعيات التي يسيرها أصحاب الهمم حيوي جدا ولا يعود بالنفع فقط على الفئة المعنية، التي نكن لها كل الاحترام والتبجيل والتقدير، وإنما تعود بالنفع على كل المجتمع في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية وعلى سمعة البلاد، وما الى ذلك…
ومن العيب أن تصدر من إنسان كلمة جارحة لشخص فرضت عليه الظروف الإعاقة، ولو على سبيل المزاح أو بدون قصد ،فما بالك أن تصدر من عضو في البرلمان وما تعنيه هذه المؤسسة للمغاربة وللمغرب، الدولة السائرة بثبات في دعم مسيرتها الديموقراطية وجعل هذه المؤسسة بالذات مؤسسة للدفاع عن مصالح المجتمع ومناقشة وإقرار القوانين والتشريعات التي تحكم مختلف جوانب الحياة، والهيئة التي تعتبر أعلى هيئة سياسية وتشريعية تعكس إرادة الناخبين، والهيئة التي تمثل، بشكل عادل، مختلف فئات المجتمع والمساهمة في ضمان الحقوق والحريات العامة والخاصة، وخير مثال الخطاب الملكي بمناسبة بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة.
لا تنسي السيدة ممثلة الشعب أن ملك البلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس يظهر اهتماما خاصا وعطفا مولويا بفئة المعاقين من خلال إدراج قضاياهم في أولوياته الوطنية، وذلك عبر دعم وتمويل العديد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز حقوقهم ودمجهم في المجتمع، فيما يخرج "ممثل للشعب " عن السطر وكأنه تلميذ مبتدئ يتعلم لأول مرة كيفية الكتابة، وعوض أن تناصر هذه الفئة المستضعفة وتدعم تعليمها، وتدافع عنها في تأهيلها المهني، وتساهم في تحسين الخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية الموجهة لها وتوفر الدعم المالي اللازم لها وفق ما تتضمنه أسمى وثيقة، دستور 2011 ، الذي منع التمييز على أساس الإعاقة.
من حق الفعاليات الحقوقية والمهتمة بشأن الإعاقة وغيرها من جمعيات المجتمع المدني أن تعترض على كلام ممثلة الشعب وتوجه عريضة لرئيس الغرفة الأولى للبرلمان ولرئاسة حزب كان لعقود من الزمن "ضمير الأمة" والحزب الذي جاهر بالحق حتى في أصعب الظروف السياسة وفي الوقت التي تكبلت الألسن وتشوش الكلام، والغريب أن تجاوز أخلاقيات العمل البرلماني تم في عقر المؤسسة التشريعية بسلوكيات تمس بكرامة فئة يفترض أن تلقى كل الدعم من المجتمع وتصان حرمتها.
وتصريح النائبة البرلمانية وتصرفها غير المقبول كاد أن ينغص علينا الفرحة بقرار مجلس الأمن الأممي ودعمه الواضح لمبادرة الحكم الذاتي والفرحة التي عمت ربوع المملكة حيث توحد المغاربة تحت شعار "المغرب في صحرائه… والصحراء في مغربها".
كما أثار الاستغراب تعمد توجيه ممثلة الأمة كلاما قدحيا وتمييزيا يمس بكرامة فئة لم تختر أن تكون في وضعية إعاقة، ما يتنافى مع مبادئ الدستور والمواثيق الحقوقية الوطنية والدولية ، والذي لا يعبر عن قيم المساواة والإنصاف التي يعتبرها المغاربة أساسا لأي عمل سياسي نبيل ،وما يتنافى حتى مع أخلاق المغاربة.
وأضم صوتي لصوت كل الفعاليات المدنية لدعوة البرلمان بكل مكوناته إلى "التصدي الحازم لمثل هذه التصريحات، والمساهمة الفاعلة في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان والخطاب الجامع في الفضاء العام".
وبالفعل، وكما جاء في بيان الجمعيات المدنية المغربية، كلام الممثلة البرلمانية "لا يمثل مجرد انزلاق لفظي عابر، بل هو تعبير صارخ عن ثقافة بسيطة تمييزية مكرسة، تشكل انتهاكا فادحا للكرامة الإنسانية للأشخاص في وضعية إعاقة، وخاصة النساء والفتيات، وتعيد إنتاج صور نمطية بالية تتعارض مع مبادئ حقوق الانسان وخاصة المساواة الذي تنص عليه كل المواثيق الحقوقية بما فيها الاتفاقية الدولية لذوي الاعاقة هو تعارض جوهري مع الدستور والالتزامات الوطنية والدولية".
البرلمان يجب أن يكون مثالا للسلوك الحسن والكلام القويم والسليم ومنبرا لمن لا منبر له ومؤسسة تصون كرامة الناس أجمعين أولا وأخيرا ،فاعتبري يا ممثلة الشعب.