طنجاوي
أيدت المحكمة الوطنية الإسبانية قرار وزارة العدل الإسبانية القاضي برفض طلب الحصول على الجنسية الإسبانية لمواطن مغربي مقيم في مدينة سبتة، بعد أن أدانته المحاكم في عام 2019 بتهمة العنف الأسري ضد زوجته الإسبانية.
ويشكل هذا القرار سابقة جديدة في تطبيق معيار “حسن السلوك المدني”، الذي يعتبر من الشروط الأساسية للحصول على الجنسية الإسبانية، إذ ترى المحكمة أن وجود حكم جنائي بالإدانة، ولو مع وقف التنفيذ، كاف لنسف شرط حسن السيرة، حتى لو كانت المخالفة “حادثة معزولة” أو تمت في سياق أسري خاص.
وتعود وقائع الملف إلى سنة 2019، حين قضت المحكمة الجنحية رقم 2 بسبتة بإدانة المواطن المغربي بستة أشهر حبساً موقوفة التنفيذ، مع منعه من الاقتراب من زوجته لمدة سنتين بعد متابعته في قضية عنف منزلي.
ورغم أن فترة المنع انتهت في فبراير 2022، فإن وزارة العدل الإسبانية رفضت طلبه للجنسية على أساس أن هذه السوابق “تظهر خللاً في السلوك المدني المطلوب من أي متجنس”.
المدعي، الذي يقيم في إسبانيا بصفة قانونية منذ سنة 2012، ومتزوج من مواطنة إسبانية منذ أكثر من 13 عامًا، تقدم بطلب الجنسية سنة 2020 مرفقًا بكل الوثائق المطلوبة: شهادة الزواج، وإثبات الإقامة الدائمة، وشهادات الكفاءة اللغوية والمعرفة الدستورية (DELE وCCSE).
غير أن الوزارة طلبت منه كذلك شهادة السوابق العدلية من المغرب، وهو ما لم يقدمه، ما زاد من ضعف ملفه القانوني.
المحكمة: "لا يمكن اعتبار حسن السيرة متحققا مع وجود حكم بالإدانة"
في حيثيات قرارها، أكدت هيئة القضاء الإداري بالمحكمة الوطنية أن حسن السيرة المدنية لا يقاس فقط بعدم وجود عقوبات جنائية حالية، بل يجب أن يثبت الشخص “سلوكًا إيجابيًا متواصلا خاليا من أي مخالفة تمس النظام العام أو القيم المجتمعية”.
وأضافت المحكمة أن مجرد “إلغاء أو انتهاء العقوبة لا يعني محو أثرها الأخلاقي أو القانوني”، وأن المعني بالأمر لم يثبت تغيرًا جوهريًا في سلوكه يبرر تجاوز تلك السابقة.
وبالتالي، خلصت المحكمة إلى أن القرار الإداري برفض الجنسية يستند إلى اجتهاد قضائي مستقر في هذا النوع من القضايا، خاصة في حالات العنف ضد النساء.
دفاع المعني بالأمر: "حادثة عائلية عابرة"
في المقابل، حاول محامي الدفاع التخفيف من وقع الإدانة، معتبراً أن ما جرى سنة 2019 كان “سوء فهم عائلي تم تضخيمه من قبل الشرطة”.
وأوضح أن الزوجة نفسها لم تتقدم بأي شكاية، بل عارضت توقيف زوجها وقتها مؤكدة أن “الواقعة كانت مجرد مزاح بينهما”، مضيفاً أن شهوداً من الجيران وصفوا موكله بأنه شخص محترم وهادئ ومحب لعائلته.
واعتبر الدفاع أن وزارة العدل اختزلت قرارها في وجود حكم واحد بالإدانة دون مراعاة السياق أو السلوك اللاحق، مشدداً على أن موكله “منذ عشر سنوات لم يتورط في أي واقعة مماثلة، ويعيش حياة مستقرة مع زوجته التي لم تطلب الطلاق". لكن المحكمة لم تأخذ بهذه المرافعة، معتبرة أن “المعايير القانونية للجنسية لا تبنى على النوايا أو الشهادات الأخلاقية، بل على الوقائع والأحكام النهائية”.
“حسن السلوك” معيار صارم في التجنيس
في القانون الإسباني، يشكل شرط السلوك المدني الجيد أحد الأعمدة الثلاثة الأساسية لمنح الجنسية، إلى جانب الإقامة القانونية والمعرفة بالثقافة الإسبانية.
ويفسر هذا المبدأ في الاجتهاد القضائي الإسباني على أنه “القدرة على احترام القانون والعيش وفق قيم المجتمع الإسباني".
وتنص أحكام المحكمة العليا الإسبانية على أن وجود أي حكم جنائي لم يلغ بعد يعتبر كافيًا لرفض الطلب “حتى لو كانت العقوبة رمزية أو مع وقف التنفيذ”.
ويرى خبراء القانون في مدريد أن هذا التشدد يهدف إلى “حماية صورة الجنسية الإسبانية كامتياز قانوني وليس حقًا مكتسبًا تلقائيًا”.