أخر الأخبار

رشيد العفاقي يكتب عن المسارح الأولى بمدينة طنجة 1669م-1913م – الحلقة الأخيرة

بقلم : ذ. رشيد العفاقي*                                                   

6- مسرح طيفولي (Teatro TheTevoli) 1913م

أنشئ مسرح طيفولي (Teatro TheTevoli) في شهر يناير من عام 1913م. وقد شُيِّد على شكل منزل خشبي (برّاكة)، بناه السيد روكي ليونس (Don Roque Lyons).ولم تُمَثّل على خشبته الكثير من الأعمال المسرحية، وإنّما كان يتم تمثيل روايات السينما العالمية التي كان الجمهور يتأثر معها بشكل كبير في ذلك الوقت. في حين يقول بعض المؤرخين إن المسرح شهد عدة عروض مسرحية و سمفونية من أعمال بتهوفن.وكان هذا المسرح يستهوي الكثيرين من رواده، إلا أنه في شهر أكتوبر من عام 1917م أصبح في ملك "جمعية الصداقة" الفرنسية التي سوف تخصصه للعروض السينمائية. وفي كتاب إسحاق الصياغ: "طنجة .. نظرات إلى الماضي" صورة نادرة من داخل مسرح طيفولي (Tevoli) مؤرّخة بعام 1914م يظهر فيها جمهور كبير (كله من الأجانب) وهو يتفرج على عرض سينمائي. وهكذا،بعد تمام أربع سنوات من عمره اكترته الجمعية الفرنسية المذكورة، وتولّى الفرنسيون تسييره، وقاموا بتجديد مبناه بهدف تطوير شكله ووظيفته، ولكن مع بداية استئناف عمله بأيام قلائل شبّ به حريق قضى على أحلام أصحابه، وبالتالي فقد الفن المسرحي أحد أعمدته بالمدينة. فقد التهمته النيران كما سبق القول، وجاء أهل المدينة ليشاهدوا المسرح وهو يحترق، وفيما بعد أقيم على أطلاله مقهى عربي. وقد أدركنا البناية التي كانت في ذلك المكان تحتلها مقهى و"فندق اللطائف" ومحل لميكانيك السيارات، بناية هذا الموضع هدمت بالكامل قبل أعوام ولم تبق اليوم فيه إلا الأرض الخلاء. ونشير إلى أن صُوَر طنجة القديمة التي أخذت لشارع إسبانيا قد التقطت صورة لهذا المسرح، فقد كانت بنايته الخشبية تظهر على شكل منزل مسقف بالقرميد المائل من الجهتين على شكل مثلث، كان يقع بالضبط في شارع إسبانيا عن يمين دور بيتري الطلياني (Casas de Petri) ما بين فندق بلنسية وفندق بريطانيا (فندق ومقهى المرسى حاليا).

7 - مسرح ألكازار (Teatro Alcazar) 1913م

أُنشئ مسرح ألكازار (Teatro Alcazar) في أبريل عام 1913م، في منزل صغير له سطيحة، كائن بطريق التلغراف، وقد ترّكب هيكله الداخلي من أعمدة وألواح الخشب. في سنوات عمره الأولى عرضت فيه بعض التمثيليات الإسبانية، غير أنّ هذا المسرح لم يعرف الانطلاقة الفعلية إلا بعد أن جُدِّد بناؤه بالحجارة وأضيف إلى مبناه طابقٌ عُلوي جديد،وتحوّل إلى سينما- مسرح في عام 1917م، إلّا أنّ مساره الفني بعد هذه السنة طُبع بهيمنة العروض السينمائية بشكل كامل.

8 - مسرح ثربانطيس (Teatro Cervantes) 1913م

مسرح ثربانطيس (Teatro Cervantes) هو أجمل مسارح طنجة وأشهرها على الإطلاق، وضع الحجر الأساس لهذا المسرحيوم 2 أبريل منعام 1911م. وقد بادر إلى تشييده السيد منويل بنيا (Manuel Peña) وزوجته إسبرانصا أوريانا (Esperanza Orellana). السنيور منويل بنيا أصله من منطقة الباسك، ويحمل الجنسية الإسبانية، قطنت عائلته مدينة طنجة في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وكان عملها يرتكز على بيع المواد الغذائية المستوردة من إسبانيا، وخاصة البيض والأسماك واللحوم، أما زوجته السيدة إسبرانصا أوريانا فإنّها من شدة حبها للمغرب تعلّمت العربية لدرجة الإتقان، ووجّهت جهودها للخدمات الإحسانية فكانت تخصص منحة سنوية قدرها 60 ألف بسيطة (Pesetas) توزعها على المعوزين. وهي تشترك مع زوجها في عشق الفن والثقافة. فاتفقا على إنشاء مسرح بطنجة يكون مبنيا بمواصفات المسارح العالمية المشهورة، فكان مسرح سربانطيس(Teatro Cervantes) دُرّة مسارح المدينة. وفي مناسبة تدشينه كتبت جريدة (El Liberal) الإشبيلية عدد 3665 الصادر يوم 3 أبريل 1911م ما نصّه: "دشن أمس، بين التصفيقات الحادة، مسرح باسم سربانطيس، وهذا هو النجاح الأول والأسمى للعمل الذي يعتزم السيد بنيا وزوجته القيام به بكل سرعة، بإرشاد ذكي من المهندس المعماري خيمينيس الواسع الشهرة. والمسرح يقع في موضع ممتاز يملكه في طنجة السيد بنيا وزوجته، وسيسع المسرح ألفا وخمسمائة متفرج تقريبا، والصالة الكبيرة ستكون مزينة بالرسوم البارزة ذات ذوق ممتاز، وستحتوي على ثلاثمائة مقعد، وصَفّ من الشرفات، ومكان للأوركسترا في مقدمة الصالة. والدور الرئيسي سيحتوي على أماكن لأصناف متعددة من المقاعد. وخلال حفلة التدشين حضرت نخبة ممتازة من الجالية الإسبانية وعلى رأسها الممثل الدبلوماسي الإسباني، وبعض الأسر المشهورة من أصدقاء تربطهم صداقة خالصة مع السيد مانويل بنيا وزوجته".

وقد تَمّ بناء المسرح على يد المهندس الشهير دييغو خمينيث (Diego Jimenez)، وقام الرّسَّام الإسباني الشهير ريبيرا (Ribera) برسم زخارف قُبّة القاعة، أما ستارة المسرح فكانت من تصميم وإنجاز المخرج الإيطالي بوزاتو (Bozato). ولكي يكون المسرح في مستوى المسارح العالمية، تعاقد السنيور بنيا مع أشهر شركة للبناء في إسبانيا والمغرب وهي "شركة أوخينيوريبيرا وشركاؤه" التي كان يرأسها السنيور كومينديو الذي أسس فيما بعد شركة اللوكوس بالعرائش. كما وقع اختياره على المهندس البارع وقتئذ السنيور دييغو خيمينس الذي تولى الإشراف الفني والهندسي. ولتزيين القاعة والسقف، استجلب الرسام الإسباني الشهير فيديريكو ريبيرا شقيق صاحب شركة البناء المكلفة بتشييد المسرح. ووقع اختيار موقع إقامة مسرح سرفانطيس فوق البقعة الأرضية التي كان يملكها السنيور بنيا والتي كانت تمتد من البوليفار حتى شارع صلاح الدين الأيوبي حاليا. أما مواد البناء الحديدية والإسمنتية، فقد تم استجلابها من إسبانيا. والمسرح في شكله الهندسي هو عبارة عن بناية كلاسيكية لا يقلّ عن سواه من المسارح المماثلة في إسبانيا وأوربا، إطاره بيضاوي الشكل، ويضم 1500 مقعد، و300 كرسي (فوطويات)، وشرفات متعددة، ومقاعد خلفية احتياطية للجمهور المتوسط الدّخل. أمّا الديكور الداخلي والخارجي للمسرح، فهو آية في الروعة والإتقان، فيه الإسباني، وفيه الإيطالي، فاللوحات المرسومة على الجدران هي عبارة عن نوع من المبرد (الفريسكو) المستعمل حسب التقاليد الفنية التي وضعتها المدرسة الإيطالية في عهد النهضة. أما الرواق الخارجي للمسرح، فكان من رسم الفنان العبقري بوساطو. وهذا ما جعل السنيور بنيا (Peña) يؤدي للرسامين والنحاتين ضعف ما دفعه كثمن لبناء المسرح. ومما زاد من لمعان المسرح، تزيينه بواسطة المرآة الضخمة التي صنعتها شركة "لافينيينا" بسرقسطة. أما الخشبة فكانت تحتوي على 39 ديكور وثلاثة ستائر من النوع النادر.

ولم يفرغ من بناء المسرح إلّا بعد سنتين ونيف من العمل، فتمّ افتتاحه في عام 1913م. وتوالت بعد يوم الافتتاح الحفلات والأنشطة الفنية والثقافية، كانت أولها مشاهدة الشريط السينمائي الصامت كوفاديس. وفي يناير 1914م قدّمت فرقة "خوان طالافي" مسرحية "هَمْلِت" مترجمةً بالإسبانية، وكانت تلك بداية للنشاط المسرحي العالمي. بدأ مسرح سربانطيس يشق طريقه نحو الشهرة العالمية عن طريق استجلاب ودعوة فرق الأوبرات المشهورة كالتي قدّمها ايميليو جيوفاني الإيطالي، والفرق المسرحية العربية والمغربية كفرقة يوسف وهبي وفرقة فاطمة رشدي، ومُثّلت على خشبته مسرحيات "صلاح الدين الأيوبي" و"مجنون ليلى" و"موسى بن نصير" و"الرشيد والبرامكة" و"كليلة ودمنة". وفي العشرينيات من القرن الماضي، ظهرت نخبة من المثقفين الطنجيينكانت تسعى وتُخَطِّط لتحرير ووحدة الوطن، فاتخذت من مسرح سرباطيس منبرا للتعبير، وقد تسترت تحت غطاء جمعيات رياصية وكشفية وثقافية، وكان من بينها "جمعية الهلال" التي تم توقيفها ومنع نشاطها سنة 1934م. وكانت تلك النخبة الواعية تضم خيرة شباب طنجة أمثال سيدي عبد الله كنون والسيد محمد أقلعي والمرحوم محمد الريفي وإدريس الجاي، والسيد أبو علي والسيد مصطفى بن الفقيه وغيرهم. ولن ينسى التاريخ فضل مسرح سرفانطيس في تأجيج الحماس الوطني، فمن خلاله التقى الوطنيون المغاربة بأحرار العالم أمثال الأمير شكيب أرسلان، وغيره. ومن جِهة الأكلاف المالية التي أقامت هذا المسرح بنايةً وتمثيلًا، فقد تحمّلها مُؤَسِّسُوه، على أنه بعد الحرب العالمية الأولى بدأت الأحوال الاقتصادية لعائلة بنيا (Peña) تتدهور، فلم تعد قادرة على تحمّل مصاريف الفرق التي تتوافد على المسرح، فاقتُرح على السنيور بنيا (Peña) أن يُحوّل مسرح سربانطيس إلى نادي (كازينو)، ولكن حبه وتعلقه بالفن والثقافة جعله يرفض المساومة والإغراء، واستمر يُقاوم حتى سنة 1928م، وهو التاريخ الذي تنازل فيه السنيور مانويل بينيا عن مسرح سرفانطيس، حيث تمّ تسليمه للدولة الإسبانية في شخص قنصلها آنذاك بطنجة الذي كان يحمل صفة وزير منتدب. ولايزال المسرح في ملك الدولة الإسبانية بحسب ما ورد بالجريدة الرسمية المغربية لعام 2007م.

                                          *ينشر باتفاق مع جمعية طنجة الحضارة

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي 'tanjaoui.ma'

تعليقات الزوّار (0)



أضف تعليقك



من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

أخر المستجدات

تابعنا على فيسبوك

النشرة البريدية

توصل بجديدنا عبر البريد الإلكتروني

@