محمد العمراني
الحادث المفجع الذي راح ضحيته شرطي المرور، رشيد شختونة، لا ينبغي أن يُقَيد كحادثة معزولة، يتحمل مسؤوليتها سائق متهور، معروف بتعاطيه للمخدرات، و بسلوكاته العدوانية...
ولا ينبغي تبريره بساعة غضب في يوم رمضاني...
ما وقع أكبر من حصر الحادثة في هكذا تبريرات...
صحيح أن السائق الملقب بولد الساحلية، هو المتهم المباشر في جريمة قتل الشرطي، وجميع الأدلة تدينه...
غير أن الطريقة البشعة التي تم بها الاعتداء على الراحل شختونة، والرعونة التي تصرف بها ولد الساحلية، وإصراره على تحدي رجل أمن مكلف بمراقبة السير والجولان المدينة، وعدم الامتثال لأوامره، تميط اللثام عن الكثير من الحقائق الصادمة...
فسائق حافلة النقل السري كان بصدد ممارسة نشاطه الغير مشروع في قلب مدينة طنجة، ب "راس المصلى" تحديدا، و بساحة مخصصة لوقوف سيارات الأجرة وحافلات النقل الحضري...
وهذا له تفسير واضح...
السائق كان يتصرف وهو واثق من نفسه، ومطمئن إلى أنه لن يتعرض للمساءلة من طرف الشرطة...
ولذلك فهو لم يستسغ أن يتمسك شرطي مرور، بسيط وما شي "ﯖْرايْدي"، بتحرير المخالفة في حقه...
هناك إجماع بمدينة طنجة على أن معظم سائقي سيارات النقل السري، ونقل العمال يتصرفون برعونة، ويعيثون في شوارع المدينة فسادا...
كم من حادثة مميتة تسببوا فيها؟
يستبيحون الطرقات من دون وثائق، لا تأمين، لا ضريبة...
حافلات تخترق الشوارع وهي محملة بالركاب، يفوق عددهم ما هو مسموح به...
الخطير في الأمر، أن كل هاته المخالفات تحدث أمام أعين رجال الشرطة، المكلفين بمراقبة السير والجولان بالمدينة، ولا من يحرك ساكنا!!!...
لم يعد خافيا أن قطاع نقل المستخدمين بطنجة، ومعظم حافلاته تمارس النقل السري، صارت له مافيا تتحكم فيه، وترعى مصالحه...
يكفي أن تجلس في أي مقهى، وما إن تمر حافلة من حافلات نقل العمال، حتى تنهال عليك التعليقات من رواد المقهى، كاشفة المستور...
الجميع يتحدث عن وجود تواطؤات من طرف بعض المسؤولين الأمنيين، ممن يوفرون لهاته المافيا الحماية، ويمنحون لحافلاتها الحصانة ضد أي مخالفات مرورية...
كل ذلك بمقابل معلوم يصل كل شهر...
و لذلك تجد ذلك الشرطي المسكين مغلوبا على أمره، وإذا سوَّلت له نفسه أن يطبق القانون، ستصدر الأوامر بإخلاء سبيل المخالف...
وكم هي المخالفات التي ألغيت بتدخل من هؤلاء "الﯕرايْدية"، حيث يصبح ذلك الشرطي "ما فْيدُّوش"، و عرضة للاستهزاء و الإهانه من سائقي نقل العمال، هم في أغلبيتهم من أصحاب السوابق، ومن مدمني التعاطي للمخدرات!!...
ماذا يتبقى إذن؟...
أمام ذلك الشرطي المسكين حل من إثنين:
إما أن يقتنع هو الآخر بضرورة البحث عن حقه من "الﯕميلة"، قانعا بالفُتات...
وإما عليه أن "يضرب عين ميكة"، ويتصرف وكأنه لا يرى ما يجري أمامه، ولا يعنيه في شيئ...
و لهم في المصير الذي انتهى إليه الراحل رشيد عبرة لمن لا يعتبر..
الرجل رحل وهو يؤدي واجبه المهني، تاركا وراء أطفالا في عمر الزهور، أمام مصير مجهول، لا معيل لهم إلا الله سبحانه وتعالى...
والنتيجة...
استفحال مظاهر السيبة، وطغيان الفوضى العارمة في شوارع المدينة...
من يصر اليوم على حصر مسؤولية مصرع الراحل رشيد شختونة، في السائق المتهور، إنما يحاول عبثا التستر على المتورطين الحقيقيين في هاته الجريمة...
الراحل رشيد راح ضحية السيبة التي عمت المدينة...
وراح ضحية تغاضي و تواطؤ بعض المسؤولين، ممن كانوا يمنحون التغطية والحصانة لمافيا نقل المستخدمين والنقل السري...
ولذلك فإن أفضل هدية لروح رشيد شختونا، هو أن ينال المتهم المباشر العقاب الذي يستحقه، وبالقدر نفسه معاقبة المتورطين الغير المباشرين في هذا الحادث المفجع...