طنجاوي
أسئلة لابد من طرحها لاستئناف النقاش الصحي بدل التراشق المفضي الى مايشبه حالة الاحتراب الداخلي .
يعيش حزبنا أوقاتا عصيبة من دون شك ، وقد وصلت حرارة التدافع والاختلاف الى مستويات قياسية وهو ما قد يفضي الى إصابة الجسد كله بالحمى أو الهذيان، لكننا على يقين ان شاء الله اننا سنتجاوز هذه الأزمة بسلام، فيكفي الرجوع لأجواء المجلس الوطني الهادئة و الإيجابية ، والطروف التي مر فيها النقاش والتداول والتصويت للاطمئنان على المسار إجمالا .
ويكفي ان كل أعضاء المجلس الوطني تقريبا لم يفتهم التاكيد في تصريحاتهم على قيمة أساسية بل مركزية وهي الالتزام بقرار المؤسسة كيفما كان ،وان يصطف الجميع موحدا خلف القرار المؤسساتي الذي ستفرزه الديمقراطية الداخلية . ولذلك فاني اجد النقاش "القانوني " حول إحالة التعديلات على المؤتمر من عدمها وصلاحيات المؤتمر بالمقارنة مع المجلس الوطني وغيرها مما يثار الآن ،وبغض النظر عن الخلل المسطري الواضح و الموجود في هذه النازلة ، (اجد هذا النقاش ) لا يساعد الحزب على تجاوز هذه الأزمة . ورأيي ان لا نُصَعّب على أنفسنا امتحان المؤتمر الوطني المقبل . وان نقر بكل روح رياضية ان مقترح التعديل قد حسم مصيره للأسف تصويت المجلس الوطني .
لكن في المقابل، وهذا هو الأهم في نظري ، ان الدفع بالاعتقاد ان مجرد تصويت المجلس الوطني برفض تعديل المادة 16 قد أنهى الإشكال في الحزب وانه حسم نهائيا النقاش الذي اندلع بين ابنائه وبين مساندي تجربة العدالة والتنمية و بين أفراد المجتمع عموما غداة نجاح البلوكاج و إعفاء الأمين العام من رئاسة الحكومة وما تلاه من تراجعات ديمقراطية هو اعتقاد سخيف أو ادعاء مكابر وتبسيط مخل لطبيعة التعقيدات السياسية وردود الفعل المختلفة التي واكبت هذه المرحلة .
و من الواضح ان الامر لم يكن مجرد تصويت في المجلس الوطني على تعديل المادة 16 ، بل كان في الغالب ترجيحا مضمرا يستبطن المفاضلة بين أطروحتين سياسيتين ، احداهما تشترط لتعافي الحزب استعادة المبادرة السياسية من قبل قيادة الحزب وانقاذ ما يمكن إنفاذه بعد زلزال الاعفاء ، ومحاولة استئناف مهام قيادة النضال الديمقراطي في المجتمع واستئناف خطاب الوضوح والصراحة مع المجتمع و تجديد العهد لمواجهة قوى الفساد والاستبداد ، وهي القوى المستترة التي يجب ان نعترف انها تمكنت من توجيه ضربات موجعة لمسار البناء الديمقراطي، ضربات متتالية أربكت الجميع وطعنات كادت ان تكون قاتلة ، وقد تمكنت هذه القوى -حاليا على الأقل - من احداث أعطاب بالغة في هذا المسار ، وقضت على احلام فئات واسعة من الطامحين الى تكريس الخط التصاعدي في تبني الديمقراطية، وجعلتنا امام أمر واقع خلاصته اننا ازاء اعادة انتشار سريع للسلطوية .
هذا الاتجاه رأى في شخصية عبدالإله بنكيران القدرة الفعلية على تمثيل هذه المعاني والدفاع عنها ، و انه من الواجب التشبث به أمينا عاما للحزب في المرحلة المقبلة وتجاوز عقبة الولايتين للنهوض بهذه الاعباء واستعادة المبادرة السياسية .
في حين ان الاطروحة الاخرى في اعتقادي لم تقترح علينا طريقا واضحا ، بقدر ما اكتفت بالتنبيه لمخاطر "الانزلاق" المنهجي نحو ما يهدد هذا المشروع وهذه التجربة برمتها ، وان الامر يقتضي تفهم السياقات ...و القبول بالأمر الواقع .
لذلك فان إصرار البعض على اخراج عبدالإله بنكيران من المعادلة لن يساعد في إيجاد الحل ، ولم يقدم جوابا مقنعا عن السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه : وماذا بعد ؟
كيف السبيل لان نخرج من هذه الورطة التي وجدنا أنفسنا غارقين في أتونها منذ الاعفاء ؟
و هل أرادت آلية "البلوكاج " الإطاحة براس بنكيران فقط ؟
أم ان البلوكاج آلية مستمرة و فعالة و ميكانيزم أصبح معطا بنيويا يريد ان يسوي تضاريس السياسة ويمحو الفوارق بينها ويحولها الى اراضي منخفضة وسهلة على الاقتحام و لا تعرف معنى للمقاومة ولا تدري كيف تقول "لا " اذا استدعى الامر ذلك ؟
كيف سنخرج من هذه الورطة ؟ لابد من استعادة المبادرة وطرح الأسئلة الصحيحة و تحرير النقاش من آثار وثقل اللحظة، فلا شيئ قد حسم .
صحيح اننا فقدنا مؤقتا بنكيران الشخص في موقع الأمانة العامة ، لكن بنكيران الخط و الفكرة لا يمكن ان يتم إعدامه ولا إزاحته من الصورة بهذا التصويت أو ذاك .