محمد كويمن
ضعوا ثقتكم في فريق اتحاد طنجة لكرة القدم، لأنه استطاع إقناع سكان المدينة، بالنزول إلى الشارع بالآلاف، وبالأخص فئة الشباب، في الوقت الذي تعجز فيه كافة الشبيبات الحزبية والجمعوية عن إقناع أعضائها قبل المتعاطفين معها، للخروج للاحتجاج، حين يتعلق الأمر بمطالب تهم مختلف القضايا الطارئة المطروحة للنقاش والتفاوض، كانت سياسية أو حقوقية أو اجتماعية، وذلك لسبب بسيط ومعروف ولا يحتاج لكثير من الخبرة في التحليل والتنظير، وهو فقدانالثقة بفعل تكرار الخطابات المستهلكة والوعود المفبركة ونهج سياسة تمييع كل المبادرات الهادفة. والنتيجة، تفشي النفاق الاجتماعي، وتبادل اتهامات التخوين والتحكم، وتراجع المصداقية لفائدة الوصولية، وتبني الإصلاح على مقاس الإفلاس، ومحاربة الفساد بعتاد فاسد، واستمرار التسابق على لعب دور البطولة عند كل فرصة متاحة لتصوير مشهد سياسي جديد، لكن دون تحقيق أي بطولة، فقط تتوالى الأعطاب مع ارتفاع توتر الأعصاب، وهو ما يجعل الفرح، يكاد يكون هيستيريا حين يتحقق الفوز ببطولة حقيقية ملموسة، مرتبطة بالتاريخ الكروي للمدينة، باعتبار أن الإحساس بنشوة الانتصار، أضحى عملة نادرة، وسط هذا الكم الهائل من البؤس، الذي نعيشه يوميا، في صراع مع الواقع، بحثا عن الفرح، ولو كان عابرا ومؤقتا.
ولعل حجم تفاعل سكان طنجة مع تتويج فريق مدينتهم بلقب البطولة، يعكس صورة مغايرة لما يتم تداوله حول عدم اهتمام الناس بالنصف المملوء من الكأس، وإن كان القطاع الرياضي بهذه المدينة ظل يعاني من تبعات علاقته بالسياسي والاقتصادي، وارتباط دعمه بتبادل المصالح، بل في محطات كثيرة كانت مردوديته تساير البرنامج الانتخابي لبعض الأحزاب، قبل أن تتراجع هذه المعادلة مع تغير عقلية الناخب، إلى حد ما.
والكرة قادرة على إخراج الناس للتظاهر، أكثر من أي شيء آخر ، بعدما صارت كل الهيئات والتنظيمات في شتى المجالات، عاجزة عن حشد مثل هذا العدد من الشباب، الذين نزلوا إلى الشارع دون تدخل السلطة أو المجالس المنتخبة أو الأعيان، للاحتفال بالبطولة، وهذا في حد ذاته رسالة واضحة إلى كل من يهمهم الأمر بشكل مباشر أو عن بعد.
كما كشفت هذه الاحتفالات العفوية عن انضباط الشارع، دون ضغط أمني، بعيدا عن ثقافة المنع باسم دواعي أمنية، فالتأطير لا يؤدي دائما دوره المطلوب، إذا كان الاحترام مفقودا، وإذا كانت الخلفيات والحسابات المطروحة كأرضية للنزول للشارع، تصب في مصلحة طرف وتقصي الآخر، فقط حين تكون الأمور واضحة، يتحقق الفرح ويتبين الفرق بين طنجة الكبرى وطنجة الكرة.