أخر الأخبار

لما نحتار ولا نختار؟

       استوقفتني خلال هذا الأسبوع آراء معرفية متناثرة في أكثر من جهة، وعلى ألسن مختلفة، إذ تعبر عن رأي الإعلامي، والطالب، والباحث، والطبيب، وحتى العالم، وفئات أخرى من المجتمع العربي والإسلامي، فيما يخص واقع الأمة الإسلامية في حاضرها مع استشراف مستقبلها. ولكن، الغريب في وجهات النظر تلك أنها لا تحيد عن موقف الحيرة والالتباس تجاه ما يقع من أحداث متسلسلة، مع ربطها بكيان الأمة وعقيدتها ودينها ومجدها وحضارتها...، وهذا شيء جميل، يرشد إلى غلبة الوازع سواء أكان جبليا أم دينيا على النفوس، بل يرسخ ثوابت القيم القدسية التي يثبت عليها بنيان أمة الخير، استحضارا لمقصد العزة والكرامة، لولا أنه يقف موقف باكٍ على الأطلال، وشاكٍ من ظلمة الأحوال، دون وثبة ظافر بهداية هذا الحال، أو نشدان خير المآل.

       بل قد أصدق القول للأسف إذا قررت أن أغلب هذه الطروحات الفكرية على تباين مصادرها يتخللها التوقف والارتباك، بناء على النظر القاصر إلى الواقع بمنظار المقايسة بين واقع الأمس واليوم مع وجود الفارق، وكل قياس معْهُ باطل، ولا ريب. ذلكم أن النظر إلى واقع يعتريه الضعف والهوان ينبغي أن ينبني على مطلب عظيم وهو كيلُ ميزان الوعي والمعرفة في الأمة، هذا الميزان الذي اختلّ للأسف وأحدقت به النكبات والهنات، ولذا والحكم على الشيء فرع عن تصوره، لا ينبغي التسرع بالنقض دون البناء، إلا بعد خبْر حال "اقرأ" في الأمة، وعليه يلزم ابتداء رفع الحظر عن القراءة الهادية، بأساليب تتنوع حسب كل  خبير في بابه، ومتخصص في أعتابه.

         فهل يدري هؤلاء أن واقع العصور الراشدة بعد العصر النبوي قد راكم تجارب، لنا فيها خير مثال على واقع التغيير والتبديل، والتراجع حينا والتقدم حينا آخر، وهو أقرب إلى عصر النبوة، لكن لم يقف الصحب الكرام رضي الله عنهم بلا إعمال أدوات المعرفة، وتدبير ناموس الاجتهاد، فعمر رضي الله عنه أقر اجتهادات واكبت عصره، فمنع وأجاز، وقرر واحتاط، وسن تدابير وقائية وعلاجية، وليدة مرحلته وواقعه، وقبله الصديق رضي الله عنه وبعده كثير من أئمة العلم والحضارة، وكلهم بصموا واقعهم بما صار مجدا تليدا إلى حين.

        هل يعلم هؤلا أن لفظ الهدى تكرر في القرآن في عشرين سورة ، وتراوح تكرار اللفظة بعينها في السورة الواحدة مرة ومرتين فأكثر، وكله إنهاض لوسائل الهداية، حتى يتحصل في كل عصر ما اختص به من هاديات منهجية تكيفت وإلزامات الوحي وسارت به بخطى سديدة شطر التنزيل، كل من موقعه، وبحسب إرادته، فأين هذا من الحيرة والتوقف دون اختيار موقف راشد هادٍ؟؟

         العصارة، ومصداقا لمعدن النبوة: اعقلها...، واغرسها...، ثم لتقم الساعة.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي 'tanjaoui.ma'

تعليقات الزوّار (0)



أضف تعليقك



من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

أخر المستجدات

تابعنا على فيسبوك

النشرة البريدية

توصل بجديدنا عبر البريد الإلكتروني

@