طنجاوي - يوسف الحايك
رسم تقرير أصدرته غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة طنجة تطوان الحسيمة صورة قاتمة عن التأثيرات الاقتصادية لأزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).
أرقام صادمة
وكشف التقرير الذي أطلعت عليه الغرفة أمس السبت (13 يونيو)، وسائل الاعلام في ندوة صحافية عن بعد، عن أرقام صادمة لتأثيرات هذه الأزمة الصحية العالمية على الاقتصاد على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة.
وفي هذا الصدد أظهرت بيانات التقرير الذي أعده عبد الرحمان الصديقي، الخبير في التنمية الترابية واللوجستيك، ومنسق البحث الجامعي في الحكامة الترابية والتنمية المستدامة بطنجة، ـ أظهرت ـ أن 85 في المائة من المقاولات على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة تأثرت بجائحة فيروس كورونا المستجد دون اعتبار للمنطقة أو القطاع أو الحجم بنسب متفاوتة.
وتوصل التقرير الذي ارتكز على استطلاع رأي عينة مشكلة من 2000 مقاولة بالجهة، موزعة على التجارة بنسبة 32 في المائة، والصناعة بـ12 في المائة، والخدمات بـ56 في المائة، ـ توصل ـ إلى أن 70 في المائة من المقاولات بالجهة توقفت بشكل تام.
وفسَّر التقرير الأمر بكون غالبية المقاولات بالجهة تنتمي لقطاع الخدمات والتجارة اللذان تأثرا من الجائحة بشكل كبير.
في المقابل، أورد التقرير أن 3 في المائة فقط من المقاولات هي التي لم تتأثر من الجائحة، لافتا إلى أن هذه النسبة "تظل جد قليلة ولا تهم سوى بضعة وحدات صناعية".
ونبه التقرير إلى أن المدن السياحية بالجهة عانت من التوقف التام للمؤسسات؛ بفعل إغلاق المؤسسات السياحية بمدن الجهة التي لها تخصص في هذا الميدان كشفشاون والمضيق ـ الفنيدق، وأصيلة.
وأكد التقرير أن هذا التوقف التام لم يؤثر على هذه المقاولات فحسب، بل أثر كذلك على العديد من المقاولات الأخرى المرتبطة بها بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأبرز المصدر ذاته أن 70 في المائة من المقاولات على مستوى الجهة توقفت نهائيا عن العمل.
وبيَّن التقرير في هذا الصدد أن قطاع الخدمات تأثر بشكل كبير من وقع الجائحة وما فرضته من حجر صحي وتباعد اجتماعي وإغلاق للمؤسسات كالمقاهي والمطاعم والفنادق وغيرها، مقدِّرا حجم المقاولات المتوقفة بما يفوق 70 في المائة.
وبخصوص قطاع التجارة غير غذائية فقال التقرير إن تبقى "في حالة شلل".
وأوضح أن قطاع الملابس والتجهيز المنزلي وغيره من التجارة غير الغذائية هو في "حالة شلل وتوقف تام مما يجعل التجار عرضة لمصير مجهول مع تراكم ديون التسيير والكراء وغيرها".
ولم تستثن تداعيات هذه الجائحة بحسب التقرير قطاع الصناعة الذي لم ينجُ بدوره من وقع الجائحة.
وأكد على أنه على الرغم من كون التأثير كان منخفضا نسبيا عما عرفه قطاع الخدمات مثلا، فإن التوقف التام أو خفض الأنشطة في مستويات تتراوح بين 50 و100 في المائة طال نسبة كبيرة من المقاولات تقدر بـ78 في المائة لأسباب مرتبطة بالحجر نفسه أو بصعوبة تنقل الأشخاص أو بمشاكل النقل واللوجستيك أو غيرها.
وقَدَّر التقرير نسبة المقاولات الصغرى والمتوسطة التي توقفت بشكل نهائي في فترة الحجر الصحي بـ75 في المائة؛ إذ تسبب هذا الوضع في توقف 1500 مقاولة من أصل 2000 التي شاركت في الاستطلاع لما لذلك من ارتباط بتضرر الأشخاص والعائلات المرتبطة بهم.
ولفت التقرير إلى أن 38 في المائة أي ما يعادل تاجر من أصل أربعة توقف بشكل نهائي عن كل نشاط في فئة المقاولات الصغرى والصغرى جدا، بينما 50 في المائة أي نصف المقاولات الصناعية المتوسطة الحجم توقفت بشكل نهائي عن أنشطة الإنتاج.
بينما كانت النسبة في صفوف المقاولات الكبرى والصغرى أو الصغرى جدا أقل نوعا ما.
ورصد التقرير أن 78 في المائة بما يعادل ثلاث مقاولات من أصل أربع من فئة المقاولات الصغرى والصغرى جدا توقفت بشكل تام عن الاشتغال، أي بنسبة 25 في المائة.
ولاحظ التقرير أن "الأغلبية العظمى للمقاولات في كل الأقاليم وكل القطاعات وكل الأحجام مقتنعة بأن شروط الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي الذي فرض لوقف انتشار الوباء هما السبب الرئيس في تفسير هذه الجائحة".
كما أن 9 مقاولات من أصل 10 كانت مقتنعة بان الحجر الصحي المصاحب لإجراءات وقف انتشار الجائحة هو السبب الرئيس في هذه الأزمة التي أصابت مقاولاتهم بالدرجة الأولى ثم بعد ذلك يأتي غياب الزبناء بفعل التباعد الاجتماعي وكذا غياب العنصر البشري، إلى جانب حالات مرتبطة بالنقل واللوجستيك.
الثمن الاجتماعي
ولم يغفل التقرير الاستبياني التبعات الاجتماعية لهذه الأزمة.
وفي هذا السياق، أكد على أن 68 من المقاولات عملت على تسريح عمالها بشكل تام.
بينما 25 في المائة من المقاولات الأخرى عمدت إلى تخفيض عدد عمالها للتأقلم مع الوضع غير المعهود، و95 في المائة أي أغلبية المقاولات اضطرت خلال فترة الحجر الصحي إلى تخفيض أو تسريح عمالها.
في حين ـ يضيف التقرير ـ أن 90 في المائة من المقاولات الكبرى الصناعية التي تتميز بكثرة شغيلتها سرحت عمالها بشكل تام، و8 في المائة فقط من المقاولات التي لم تضطر لخفض أو تسريح عمالها.
في المقابل، ـ ووفق التقريرـ فإن 40 في المائة من المقاولات التي لم تتأثر، ولم تخفض عدد عمالها هي مقاولات صغرى جدا، و50 في المائة من المقاولات التي تزاول في القطاع الصناعي عملت على تسريح عمالها بشكل تام.
وذكر التقرير أن أغلبية هذه المقاولات متوسطة أو صغرى جدا، و66 في المائة منها مقاولات بالقطاع التجاري سرحت عمالها بشكل تام، وأن المقاولات الصغرى والمتوسطة هي الأكثر تأثرا، و68 في المائة؛ أي ما يقرب من سبع مقاولات من أصل عشر مقاولات في قطاع الخدمات سرحت عمالها بشكل تام.
التوقعات.. نظرة تشاؤمية
وفي ما يتعلق بالتوقعات المرتبطة بانعكاسات هذه الأزمة على رقم المعاملات، توقعت 93 في المائة من المقاولات المشاركة في التقرير أن ما يعادل 1600 مقاولة من أصل 2000 مقاولة، دون اعتبار للقطاع أو الحجم أو الاقليم، مقتنعة من انخفاض رقم معاملاتها هذه السنة مقارنة بسنة عادية.
من جهتها، لم تبدِ 7 في المائة وهي النسبة المتبقية من مجموع المقاولات أو التي استفادت من فترة الحجر اعتبارا لنوع المنتوج أو الخدمة التي تعرضها رأيا بهذا الخصوص.
في الوقت ذاته، رصد التقرير أن 40 في المائة أي أربع مقاولات من أصل 10 بالجهة لها تنبؤات جد متشائمة وتنتظر انخفاض حاد لرقم المعاملات في نسب تتراوح بين 50 و100 في المائة، و82 في المائة من المقاولات المنتمية للقطاع الصناعي، من دون اعتبار للحجم، تنتظر تراجع رقم معاملاتها على الأقل في نسب تتراوح بين 0 و50 في المائة.
وتوقعت 50 في المائة نصف المقاولات الصغرى جدا بقطاع الخدمات تنتظر تراجعا لرقم المعاملات في نسب تفوق 50 في المائة، فيما تنتظر 80 في المائة من المقاولات تراجعا في رقم معاملاتها لهذه السنة دون اعتبار للحجم أو القطاع أو الإقليم، و60 في المائة من المقاولات الكبرى بقطاع التجارة، وقطاع الصناعة تتنبأ بتراجع حاد لرقم معاملاتها بين 50 و100 في المائة.
الاجراءات.. تقييم
وفي معرض استقرائه لآراء المقاولات توقف التقرير عند مدى درجة رضاها على الإجراءات المتخذة، في مواجهة هذه الأزمة، والذي يقترب بالنسبة للمقاولات الصغرى جدا من 90 في المائة ويقل تدريجيا بالنسبة للمقاولات الصغرى، والمتوسطة، فالكبرى.
وأكد التقرير أن 79 في المائة من المقاولات تبقى غير راضية على الإجراءات المتعددة المتخذة من طرف الدوائر الوصية على القطاعات من أجل مساعدتها على تخفيف عبء الجائحة، مشيرا إلى أن أغلب المقاولات في الأقاليم، وبنسبة 90 في المائة تبقى غير راضية عن الإجراءات المتخذة وبتفاوت من إقليم لآخر.
ومن اللافت في هذا الصدد، أن 90 في المائة من المشاركين في استبيان التقرير في كل من الحسيمة وتطوان وشفشاون والمضيق الفنيدق غير راضين بنسبة تفوق.
حلول في مواجهة الجائحة
وبخصوص الحلول التي لجأت إليها المقاولات على صعيد الجهة أكد توصل التقرير إلى أن 50 في المائة أي نصف مقاولات الجهة واجهت تداعيات الجائحة بما أوتيت من إمكانيات شخصية، أو مدخرات، أو باللجوء إلى التضامن العائلي، أو الاجتماعي، أو بوسائل خاصة.
في وقت لجأت 42 في المائة من المقاولات إلى خدمات الضمان الاجتماعي مما يؤكد مرة أخرى على أهمية هذه الحماية للمهنيين.
بينما لا تشكل بحسب التقرير الديون المدعمة أو دعم الصندوق الخاص لا تشكل مجتمعة سوى 12 في المائة، فيما تأقلمت 7 في المائة من مقاولات الجهة مع الجائحة بتطوير خدمة العمل عن بعد، أو بتشديد إجراءات الوقاية من الفيروس في مكان العمل.
ورأى التقرير أن هذان الإجراءين يجب الاستثمار فيهما بعد الجائحة في وضع التعايش مع الفيروس إلى حين استئصاله.
احتياجات خاصة
التقرير، سلط الضوء على احتياجات المقاولات على مستوى الجهة في ظل هذا الوضع، والتي تبقى مرتبطة بالمساطر والتنظيم والتأهيل، واحتياجات مالية وضريبية.
ومن ذلك، شدد التقرير على ضرورة تقوية البنيات التحتية للمقاولات، وإيلائها الأسبقية في الاستفادة من الصفقات العمومية، وتنظيم وتقنين المهن بتأمين المهنيين وحمايتهم من المنافسة غير الشريفة، مع دعم المبادرات ذات الطابع الاجتماعي والثقافي والرياضي المرتبطة بالمهنيين وعائلاتهم.
وتابع بالتأكيد على أهمية التكوين والتأهيل في مجالات الاقتصاد والمال والأعمال وتدبير المقاولات، والاستشارة والمصاحبة القانونية، مع تأجيل وإعادة جدولة الديون ومستحقات الكراء وواجبات الاشتراك في شبكات الماء والكهرباء، فضلا عن إتاحة إمكانية الاستفادة من القروض المدعمة.
وسجل التقرير أن مقاولات جهة طنجة تطوان الحسيمة عبرت بنسبة ¾ على أن الحاجيات المالية والضرائبية تشكل أولوية بالنسبة إليها قبل غيرها من الحاجيات، فيما بقي الربع الآخر موزعا بين احتياجات مرتبطة بالجانب القانوني لما أصبحت تعدد القوانين والمساطر يشكله من أهمية في الحياة اليومية للمهني اليوم، وأخرى مرتبطة بالتكوين، والتأهيل بالنسبة للمسيرين في علوم الاقتصاد والمال والأعمال والتدبير، أو العمال لما أصبحت المعرفة تلعبه في تحديد تنافسية المقاولات.
وقال التقرير إن 3 في المائة من الحاجيات جد متعددة، ومرتبطة بطلبات شخصية أو مرتبطة بتجمع معين أو بإقليم أو نشاط أو بالبنيات التحتية أو التمثيلية وغيرها.
وأضاف أن مقاولات القطاع الصناعي مقتنعة بنسبة 68 في المائة بأن إجراءات ذات طابع مالي وضريبي في صالح قطاعهم من شأنها أن تجعل مقاولاتهم أكثر استعدادا للمستقبل.
وأشار إلى أن هناك ميولا أكبر بالقطاع للقروض المنخفضة الفائدة لتمكينهم من الاستثمار في متطلبات واقع الإنتاج والتسويق في عالم بعد كوفيد 19.
وتابع أن "القناعة نفسها تقريبا نجدها عند التجار لكن بشكل متساو بين القروض المدعمة والإعفاءات والتخفيضات الضريبية".
ولاحظ التقرير أن الطلبات ذات الطابع الخاص هي أكثر ورودا في هذه الفئة باعتبار عدم تجانس القطاع من حيث الحجم ومن حيث التفرع الكبير لنوع الأنشطة.
بينما في قطاع الخدمات تأتي الإعفاءات والتخفيضات الضريبية قبل غيرها من الحاجيات، وإن كان القطاع بدوره سيكون مضطرا للقيام باستثمارات إضافية في الإنتاج والتسويق للتأقلم مع ما بعد كوفيد 19.
دروس وعبر
وانتهى التقرير إلى الحث على ضرورة الإسراع في إخراج الجهة كمؤسسة متكاملة وكمقياس تحت وطني لتدبير الخصوصيات الترابية في تناسق مع التوجهات الوطنية.
وأبرز أهمية توفر المؤسسة الجهوية والترابية والاقتصادية والاجتماعية بحكم قربها على استقلالية قانونية ومالية ومعنوية لتمكينها من بلورة الذكاء الترابي.