أخر الأخبار

ابن مدينة طنجة أيمن الزبير يكتب: حلواني الدراويش

طنجاوي 

تفاعل أيمن الزبير، الإعلامي بقناة "الجزيرة"، وابن مدينة طنجة مع وفاة مصطفى أحد بائعي الحلوى بطنجة.

وكتب الزبير تدوينة استعادة فيها ذكرياته وأبناء جيله مع محلات بيع الحلويات بطنجة، هذا نصها:


في زمن غير بعيد كانت محلات الحلويات في طنجة تعد على أطراف الأصابع و كانت أسماء معظمها مقترنة بألقاب أصحابها الذين اختاروا وسط المدينة لعرض أفضل ما جادت به إبداعاتهم في عوالم المعجنات.
باستثناء محل "بينو" الذي كانت تحجب بريق دهونه مشاهد العنف والبؤس الذي أفرزته حينذاك تجارة السجائر المهربة في محيط المحل، كانت باقي المحلات موزعة بين قاعتي سينما روكسي وغويا والمسافة الممتدة من مقهى "التورف" إلى فندق شالة.
لم يكن أصحاب هذه الفضاءات من أبناء أسر طنجة المشهورة وحتى سحناتهم كانت تحيل إلى الضفة الأخرى التي طردت مسلميها إلى تطوان وشفشاون.
فالسي محمد ذو العيون الزرقاء والبشرة الوردية الأندلسية كان أول من جاء إلى المكان بعصائر الليمون واللوز التي تصاحب الكيك و"لالنغوا" و"الميل فاي"، وقبالة سينما غويا حجب الإخوة الرحموني حزن مبنى الإذاعة الوطنية بمحل عصري تفنن في تصميم فطائر أعياد الميلاد وإعداد عصير "لا أورشاطا" الذي استوردناه من بلنسية الإسبانية.
أما تلاميذ البسطاء فلم يكن لهم خيار آخر سوى اللجوء إلى محل علي الذي اشتهر في بيوت طنجة باسم "بتي بان د علي" التي كان ومازال ينصح باستهلاكها في ساعات الصباح الأولى، مباشرة بعد خروجها من فرن أطعم ملايين الأفواه بأرخص الأسعار.
غير بعيد عن علي و قبل محل "السيديهات" كانت حلويات عمر الذي اشتهر  بمعجنات التونة وصلصة الطماطم الممزوجة بقطع البيض المسلوق. رغم طيبته وحسن معاملته أتذكر أنني اكتشفت رفقة "أصدقاء السوء" طريقة لإغاظته، إذ كنا نقف أمام واجهة محله ونشير إلى صلعته البراقة لتنزل علينا لعناته بعد ذلك.
في هذا المسار الفريد كان لزاما المرور من محل متواضع يجاور مدرسة لتعليم السياقة ويقابل مثلجات "كولوما". 
لم تكن حلوياته ألذ الحلويات ولا أجملها تصميما لكن الرجل الذي كان يشبه أفراد فرق موسيقى الروك الأمريكية استطاع ببساطته وأسلوبه الراقي استمالة آلاف الزبائن من أحياء المدينة الشعبية، وهو ما مهد لانتقاله إلى فضاء أوسع قبالة مقر البلدية.
بالأمس غادرنا صديقي مصطفى إلى دار البقاء تاركا خلفه عشرات القهقهات، عندما كنت أستفزه قائلا: إن كل حلوياته تحمل نفس المذاق.
انصرف مصطفى في صمت حاملا معه سيمفونية مكان لا يختلف عن تراجيديا "سينما براديسو".
رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي 'tanjaoui.ma'

تعليقات الزوّار (0)



أضف تعليقك



من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

أخر المستجدات

تابعنا على فيسبوك

النشرة البريدية

توصل بجديدنا عبر البريد الإلكتروني

@