طنجاوي
عرفت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب خلال العام المنقضي، زخما لافتا، كاشفا عن تحول جوهري في نوعية البلدان التي يجذبها مناخ الأعمال والاستثمارات بالمملكة؛ فبعدما ظلت فرنسا لسنوات سابقة متربعة على صدارة الدول التي تتدفق منها رؤوس أموال الاستثمارات إلى المغرب، ارتقت الاستثمارات الأمريكية إلى المرتبة الأولى من حيث صافي التدفقات (Flux Net IDE).
وأبرزت صحيفة "هسبريس" التي اهتمت بهذه المعطيات أن
الاستثمارات الأمريكية أزاحت نظيرتها الفرنسية من عرش الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمملكة، مؤكدة بالملموس أن عمق “الشراكة الاستراتيجية” بين الرباط وواشنطن ليس مجرد أقوال؛ بل تترجمه رؤوس أموال وأفعال اقتصادية، مدعومة بقوة بمواقف سياسية كان أبرزها قرار اعتراف الرئيس السابق ترامب بسيادة المغرب على صحرائه في دجنبر 2020.
َوأكدت بيانات مكتب الصرف حول توزيع “صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب حسب دول المنشأ” صعودا قويا وحضورا متزايدا للاستثمارات الأمريكية في المغرب، بانتقاله من 436 مليون درهم عام 2020 إلى 692 مليون درهم في 2021، قبل أن تتضاعف بكثافة لتصل إلى 7409 ملايين درهم (أي 7.4 مليارات درهم)، مقابل 3.2 مليار درهم فقط للاستثمارات القادمة من فرنسا.
ولفتت المعطيات الإحصائية التي اطلعت عليها هسبريس إلى أن هذا الأداء الأمريكي لا يغيّر من حقيقة تصدّر فرنسا لـ”توزيع احتياطيات الاستثمار الأجنبي المباشر”؛ مع بقائها “أكبر حائز لرأس المال الأجنبي في المغرب” بنحو 31 في المائة من الإجمالي.
ونقل الموقع الاخباري عن الطيب أعيس، محلل مالي وخبير اقتصادي، وصفه هذا التطور بـ”الأمر غير المسبوق”، مستحضرا سياقات ساهمت في ترسيخ الحضور الفرنسي الاقتصادي القوي منذ فترة بدايات عهد الاستقلال.
وزاد أعيس، في إفادات تحليلية لجريدة هسبريس، شارحا أن “اهتمام أمريكا كبير جدا بنوعية الاستثمارات وليس فقط حجمها في المغرب، بمختلف جهات المملكة، سواء في جهات الشمال كما في الجنوب. ولا بد من الإقرار بأن اعتراف واشنطن رسميا بسيادة المغرب على صحرائه ساهم بقوة في تدفق استثمارات صافية أجنبية على المملكة”.
وتابع المحلل المالي والخبير اقتصادي: “أمريكا تستثمر وتهتم بجميع القطاعات الاقتصادية التي يوفر المغرب فرصا هائلة لنموها مستقبلا؛ إلا أنها تستهدف عادة كل ما هو استراتيجي”، معددا “الصناعات الاستراتيجية للمعادن، ومشاريع تنقية وتحلية المياه، وإعادة تدوير المياه العادمة، وقطاع التكنولوجيا والخدمات، والطاقات المتجددة؛ أبرزها الهيدروجين الذي تحتضن مشاريعه أقاليم الصحراء المغربية”.
وأكد أن هذا الأمر يعد “نقلة نوعية مهمة ستبصم تاريخ العلاقات التاريخية بين المغرب وأمريكا، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي المحض؛ بل تأتي مدعومة بزخم كبير على المستويات السياسية والأمنية وغيرها”، مؤكدا لهسبريس “تغييرا كبيرا سيُحدثه الحضور الاستثماري الأمريكي المتزايد باعتبارها قوة اقتصادية أولى في العالم”.
ولفت أعيس الانتباه إلى أن “المغرب لم يكن بارزا بقوة على الرادار الأمريكي من منظار الاقتصاد”، ثم أضاف: “المؤكد أنه منذ عهد ترامب الذي اعترف بمغربية الصحراء، ومع اهتمامه الشخصي بالأعمال، ازداد الاهتمام الأمريكي بشكل لافت بأهمية وجدوى الاستثمار في مشاريع مغربية”.
وأكد الخبير أن “ذلك يأتي في سياق التخلي المغربي التدريجي عن النموذج الفرنسي الإداري–القانوني المحض، مقابل التوجه المتنامي نحو اعتماد نموذج أمريكي اقتصادي براغماتي”، لافتا إلى أن “المغرب يمكنه الاستفادة من صناديق سيادية أمريكية ضخمة تدرّ صافي عائدات في صالح الاقتصاد المغربي؛ ما يحرّك ثقافة استثمار العائدات، وخلق مناصب الشغل، ضمن نسيج اقتصادي متكامل”.
ودعا، ختاما، إلى “ضرورة مواءمة ومواكبة هذه التحولات الجارية في خريطة الدول المستثمِرة بالمغرب، عبر تحديث وتشذيب الإطار القانوني المؤسساتي الذي يلزمه تطوير في بعض الميكانيزمات الجاذبة والمسهّلة أكثر للاستثمار الأجنبي المباشر”. دوز