محمد كويمن العمرتي
يحكى أن مصباحا ظهر في مدينة يحكمها والي من أولياء الداخلية، واستطاع الحصول على أغلبية أصوات ساكنتها، بعدما وعد العباد والبلاد بمحاربة الفساد، وفرح أهل المدينة بإضاءته، واستبشروا خيرا، حين اعتقدوا أن المصباح سيحل جميع مشاكلهم، وسيخرجهم من الظلمات إلى النور، نظرا لخبرته في المعارضة وتخصصه في تسليط الأضواء على مكامن الخلل في تدبير الشأن المحلي، وكذا قدرته على تحقيق ما عجز عنه الآخرون بفضل قوته العددية المريحة، وبركة أتباعه من دعاة الإصلاح والتوحيد..
لكن مع مرور الزمن الانتخابي، اعتاد الناس على المصباح، ولم يعد يشكل لهم ذلك الاستثناء، الذي كانوا يحلمون به، وأضحت المدينة تعتمد على إضاءة الوالي، الذي عرف كيف ينافس المصباح في شعبيته، لدرجة أن صار أهل المصباح يصفونه بولي الله، ويتبركون بقراراته، إن حظيت بتأييد السكان، ويصمتون إن أثارت استياءهم، واستمر الحال على ما هو عليه، والمصباح يتفادى مواجهة الوالي، ولا يتحدث عنه إلا في الأسواق.
وذات يوم قرر المصباح التصدي للوالي، بعدما حاول إقناع السكان بأنه يتعرض للمؤامرة وهناك من يسعون لإفشال تجربته في التسيير من خلال إغراقه في أزمة مالية لا يملك مفاتيحها إلا أولياء الداخلية، وقام بتوجيه رسالة مشفرة للوالي يطلب فيها احترام اختصاصاته، ويخبره بأن أهله يؤيدون زعيمهم ومتضامنون معه خلال ما تبقى من فترة ولايته، بعدما رفعوا شعار "قد أعذر من أنذر" استعدادا للمحطة القادمة بخطة جديدة تساير تقلبات الساحة السياسية.
وهكذا بقيت المدينة، تترقب التزام المصباح بمسؤولياته، ومواصلة الوالي مهامه بنفس الوتيرة، إذا كانت خدمة مصالح السكان فوق كل اعتبار، قولا وفعلا،دون كثير كلام، خاصة بعدما تبين أن لا المصباح سحري ولا الوالي ساحر، فقط هذا نصيب مدينة ساحرة، مس مجالسها رجس من أعمال الشياطين، وظلت في كل مرة تبحث عن منقذ يعيد لها هويتها، ويحفظ مكتسباتها، تارة باللجوء لطلب "التسليم" من قبة الوالي، وتارة أخرى بتوظيف "سيدي المخفي"، للتستر على ما يجري ويدور، والاكتفاء بتحميل المسؤولية للمجهول عند كل إخفاق في تنزيل نفس الوعود الساحرة..