طنجاوي
ربط جواد مبروكي، الطبيب النفسي، والخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي، بين تزايد حالات الانتحار في منطقة الشاون، وبين التوقيت الصيفي المعتمد بالمغرب.
واستند مبروكي على في تحليله على دراسات فرنسية بالنسبة للتوقيت الصيفي وأضراره، ودراسة أمريكية وجزائرية بالنسبة لارتفاع عدد حالات الانتحار بالمنطقة الجبلية، وكذلك من خلال تجربته المهنية التي تفوق 22 سنة.
من "غرينتش" إلى التوقيت الصيفي
وقال مبروكي إن "توقيت الصيف المفروض علينا خلال فصل الشتاء ليس طبيعياً، لأننا نواجه عدم التوافق بين التوقيت الاجتماعي (بداية أنشطتنا) والتوقيت البيولوجي (شروق وغروب الشمس)، وهذا يُعطل الساعة البيولوجية الداخلية في الدماغ ودورتها اليومية".
وأوضح أن النوم ليس فقط للراحة، بل إنه ضروري للتشغيل السليم للجهاز المناعي والهرموني والقلب والأوعية الدموية والمزاج. والساعة الإضافية الحالية تتسبب في عدم توازن إفراز الناقلات العصبية (التي تتم أثناء النوم) المسؤولة عن تنظيم الحالة المزاجية.
ونبه إلى أنه إذا استغرق الحرمان من النوم يومين فقط، "سوف نرى تعطيل إفراز هرمونين أساسيين ينظمان الشهية والشبع (جْريلينْ وأورِكْسينْ) ويقع اضطراب في التغذية مباشرة، حيث نرى الميل إلى استهلاك الدهون والسكريات، الأمر الذي يزيد من تعقيد السمنة مع مضاعفات أمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري. وهناك هرمون آخر يضطرب من هذا التوقيت، الميلاتونين الذي يفرز ليلا أثناء النوم، وهو المسؤول عن تكاثر الخلايا الضرورية وتباطؤ الخلايا السرطانية.
وأشار المصدر نفسه إلى أن هذه العوامل يمكن أن تؤدي بسهولة إلى الاكتئاب مع ظهور الانتحار، ولقد لوحظ في فرنسا زيادة في حالات الانتحار واستهلاك حبوب النوم منذ بدء تغيير الساعة حسب التوقيت الصيفي، وتم طرح فرضية العلاقة السببية بين هذين الحدثين، وهذه الدراسة هي التي دفعت روسيا إلى التخلي عن التغيير الزمني الدوري في عام 2011.
ولفت إلى أن تنظيم إيقاع الساعة البيولوجية يتم بشكل أساسي بالتعرض للضوء، وتتم مزامنة دماغنا كل يوم بالتناوب ليلا ونهارا.
وبين إن التعرض للضوء خلال النهار هو الذي يزامن الساعة البيولوجية داخل الدماغ، مستندا في ذلك إلى ما توصل إليه البروفيسور كْلود جونفغيي، الباحث في علم الكرونوبْيولوجي في المعهد الفرنسي الوطني للبحوث الصحية، أنه "مع التوقيت الصيفي، فإن إدراك الضوء في وقت متأخر يُؤخر الساعة البيولوجية ويؤدي إلى وقت متأخر من النوم، مع زيادة خطر الحرمان من النوم".
واعتبر أن هذا هو السبب في أننا نلاحظ زيادة في شكاوى التعب والإرهاق والنوم أثناء النهار وعدم التركيز أثناء القيادة (كثرة الحوادث، وخصوصا عند الراجلين) وفي العمل، مع انخفاض المزاج والمعنويات.
وأسمى مبروكي هذه الحالة بالاكتئاب الموسمي الذي يمكن أن يتطور إلى الانتحار. وقلة النوم لا تؤثر على الحالة المزاجية واليقظة فحسب، بل أيضًا على نظام المناعة الذي يكون أكثر هشاشة في فصل الشتاء.
المناطق الجبلية والانتحار.. قلق بيولوجي وعصبي
ووقف المصدر نفسه على ما أوردته دراسة أمريكية نشرت في يناير 2011 إن الحياة في الجبال تشجع على الانتحار بمعدل أعلى مقارنة بالمدينة. ويؤدي نقص الأكسجين في المرتفعات عند الأشخاص المصابين بالاكتئاب أو المستعدين للاكتئاب إلى نقص الأكسجة (نسبيًا)، الذي يسبب قلق الخلايا العصبية ويقلل من القدرة على مقاومة الاندفاع الانتحاري.
الأنترنت وعوامل أخرى
وقال الخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي إنه من المحتمل أن تكون هذه الزيادة في الانتحار في هذه المنطقة الجبلية بسبب الافتقار إلى المرافق الترفيهية والثقافية والفنية، حيث يشعر مواطنو هذه المنطقة بأنهم مهملون ومحبوسون.
وأشار في الوقت نفسه، إلى تأثير الشبكات الاجتماعية والوصول إلى المعلومات واكتشاف أنماط الحياة المختلفة الأخرى في جميع أنحاء البلاد والعالم، مما يؤثر سلبًا على سكان هذه الجهة الجبلية ويسبب لهم الإحباط والاكتئاب مع زيادة خطر الانتحار.
وأكد أن الوصول إلى المراكز العلاجية في الطب النفسي أمر صعب في هذه المناطق الجبلية، مما يضاعف الأمراض النفسية والانتحار كمضاعفات لدى الأشخاص في وضع هش والمكتئبين.
استهلاك المخدرات
وعرج مبروكي على استهلاك الشباب المغربي بصفة عامة، وسكان جهة الشاون بالخصوص، الحشيش بكافة أشكاله بشكل كبير. والإدمان على الحشيش الذي يمكن أن يفضي إلى الانتقال إلى الفعل الانتحاري بعد الاستهلاك الكثيف أو النقص المتزايد.
ودعا إلى النظر إلى تأثير التوقيت الصيفي في فصل الشتاء وظروف الحياة في المناطق الجبلية، وتوفير مراكز الطب النفسي.