طنجاوي
استضاف رواق محمد اليوسفي بدار الشباب حسنونة، بطنجة، أمس الجمعة (7 مارس)، ندوة حول "ورش الدولة الاجتماعية"، المنظمة ضمن برنامج "رمضانيات طنجة الكبرى، وسلسلة "في حضرة الفكر"، بمشاركة مفكرين وأكاديميين.
وشارك في الندوة كل من عبد الرحمن الزكريتي، عالم الاجتماع والأستاذ الجامعي، والأستاذة الجامعية جميلة العماري، والمهندس محمد أمزيان، الإطار بعمالة المحمدية ورئيس سابق لقسم العمل الاجتماعي بولاية طنجة، ومصطفى الغاشي، الأستاذ الجامعي والعميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان.
وقدم عبد الواحد بولعيش، رئيس مؤسسة طنجة الكبرى للعمل التربوي والثقافي والاجتماعي والرياضي، لهذه الندوة من خلال تقديم المشاركين و"شكرهم على ما يقدمونه من مجهود خلال فعاليات رمضانيات طنجة الكبرى، التي دخلت هذا العام موسمها الرابع على التوالي، في تألق لافت واستمرارية مبهرة".
من جهتها، قالت نادية العشيري، مسيرة الجلسة، إن "ورش الدولة الاجتماعية يهمنا كثيرا كمغاربة، ونتمنى أن يسير قدما إلى الأمام ويحقق الأهداف المرجوة منه".
وأضافت العشيري أن "ورش الدولة الاجتماعية يعتبر تحديا كبيرا، أراد منه جلالة الملك محمد السادس أن يكون المغاربة سواسية في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية في مختلف المجالات، في الصحة والتعليم والعمل وغير ذلك".
بدوره، ركز عبد الرحمن الزكريتي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عبد المالك السعدي على مفهوم "ورش الدولة الاجتماعية" وامتداداته الاصطلاحية والواقعية.
واعتبر الزكريتي أن مصطلح "الدولة الاجتماعية" مفهوم علمي "ظهر في الغرب في سياق تاريخي معين، نتيجة حروب وكوارث، ضحى فيها المواطن الغربي كثيرا".
وذكر الزكريتي بأنه بعد نهاية الحروب، "تحاول الدولة أن تعيد للمواطنين حقوقهم العادية التي سلبوا اياها خلال الحرب، سواء الحروب العالمية أو الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، والتي استمرت لعقود".
وتساءل الزكريتي "هل الدولة الديمقراطية هي الدولة الاجتماعية، وهل دولة الحق والقانون تعني الشيء نفسه، وأيضا دولة الحماية والرعاية؟".
وتحدث الزكريتي عن نظام الضرائب كجزء من عملية إعادة توزيع الثروة لتحقيق مفهوم الدولة الاجتماعية، مضيفا أن "استهداف العمق الاجتماعي قرار سياسي لإنصاف الفئات المهمشة أو المقصية".
وقال الزكريتي إن "الدولة الاجتماعية تعني العيش المشترك وخلق نسق تضامني غير مباشر، وتحمس للبناء الاجتماعي التضامني لصالح الفئات الهشة".
وأضاف أن "الدولة الاجتماعية بنيت بالتضحيات والنضالات، والحفاظ عليه يحتاج لنضال أيضا، وأن لدولة الاجتماعية تعزز المواطنة لأنها تخفف الفوارق والتمايزات، فهي تحمي الفئات الأقل حظا من الناحية الاقتصادية وتسن قوانين لحماية المكتسبات".
كما تطرق الزكريتي لمفهوم الدولة الاجتماعية من الناحية الثقافية أيضا، "لأنه عندما تهيمن ثقافة الرباط أو فاس، مثلا، فهذا إلغاء لمفهوم الدولة الاجتماعية، لأن الأساس هو تقوية الغنى الثقافي لكل المناطق"، بحسب تعبيره
وختم الزكريتي بالقول إن الدولة الاجتماعية في المغرب هدفها حماية الرابط الاجتماعي، والأسرة لا تزال قوية، والرهان عليها كبير، وهو ما تأكد من خلال التضامن الاجتماعي والأسري إبان جائحة كورونا.
أما جميلة العماري، فاعتبرت أن "الوصول إلى الدولة الاجتماعية كان نتيجة تراكمات اجتماعية واقتصادية، ولا يمكن أن نبخس مجهودات الحكومات السابقة، منذ حكومة عباس الفاسي، وكل الحكومات التي اشتغلت على ورش الدولة الاجتماعية فعلت ذلك بتوجيهات ملكية واضحة".
وقالت العماري إن "أزمة جائحة كورونا لم تأخذ منا الكثير، وكنا مجتمعا صامدا بالرغم من قلة الإمكانيات، وأنه ليس لدينا مشكلة في قلة الأفكار والاستراتيجيات، يلتقي التطبيق".
ونبهت العماري إلى أن "هناك أعطاب فعلا، لكن هناك فراغ في مجالات أخرى تساهم في عدم إصلاح الأعطاب في وقتها، معتبرة أن كل القوانين الداعمة للدولة الاجتماعية تحتاج إلى حكامة، وفي غيابها ستستمر الأعطاب".
من جانبه ذهب مصطفى الغاشي، الأستاذ الجامعي والعميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، إلى أن "الهاجس الاجتماعي كان تحديا لكل الحكومات السابقة، لكن الأمور كانت تتم بطريقة الدولة التقليدية".
وقدم الغاشي أمثلة لبلدان في أوربا كانت تعاني من هشاشة اجتماعية واضحة أو تعاني من تفاوتات كبيرة بين مناطقها، خصوصا بعد الحروب، وكمثال على ذلك إسبانيا التي "انطلقت في مجال الدولة الاجتماعية في وقت متأخر، أي في عقد الثمانينيات، لذلك من غير المنطقي، يقول الغاشي، الحديث عن إمكانية تطبيق الدولة الاجتماعية عبر ترسانة من القوانين فقط".
وأشار المتدخل إلى أنه كانت هناك تفاوتات في حمل هم الدولة الاجتماعية بالنسبة للحكومات المغربية، أبرزها خلال حكومة عبد الرحمن اليوسفي.
وتحدث الغاشي عن مرحلة "الربيع العربي"، حيث تجسد هم الدولة الاجتماعية في شعار "الشعب يريد"، يعني أننا صرنا أمام واقع جديد بمطالب قوية وواضحة.
واعتبر المتدخل أن الموضوع الاجتماعي يحتاج لوقفة قوية، وهو ما عكسته خطب جلالة الملك التي ركزت على الجانب الاجتماعي.
وتحدث الغاشي عن مرحلة كورونا التي عرت الجانب الاجتماعي، وقال إن "هناك مبادرات وليس تنزيل لورش الدولة الاجتماعية".
واعتبر الغاشي أن "الغلاء يجب مناقشته علميا وسياسيا واقتصاديا، وأن لدينا مؤسسات منتخبة ولديها مسؤوليات وواجبات في مجال الدولة الاجتماعية، لكن الأحزاب السياسية تخلت عن مهامها للأسف".
وأشار المتدخل إلى المبادرة الملكية لإلغاء ذبيحة عيد الأضحى، واعتبرها مبادرة ذكية وعملية استباقية تهدف إلى حفظ توازن الدولة الاجتماعية وحماية الفئات الهشة.
من جهته قال المهندس محمد أمزيان، رئيس قسم العمل الاجتماعي بولاية طنجة سابقا، إن كلمة "ورش" في الدولة الاجتماعية لها دلالتها وعمقها، و"أنا مهندس وأتكلم انطلاقا من المعنى العميق للكلمة"، يقول أمزيان.
واعتبر أمزيان أن النموذج المغربي يتواجد في منطقة وسطى ويحاول أن يكون متوازنا في خلق مفهوم مغربي للدولة الاجتماعية.
واعتبر المتدخل أن التقويم الهيكلي كان له أثر كبير في انخراط الدولة في مجالات متعددة كالسكن والتعليم وغير ذلك، ثم كان هناك تراجع للدولة في بعض الميادين، أحيانا بإملاءات من مؤسسات مالية دولية.
وأشار أمزيان إلى خلق مؤسسة محمد الخامس للتضامن ثم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ثم دستور 2011 بفصول تتحدث صراحة عن أهداف اجتماعية، ثم جاء الحديث عن نموذج تنموي جديد، وهي مراحل توضح تدرج بناء الدولة الاجتماعية.
وقال المتدخل إن "هناك نقطة مهمة وهي أنه لا يجب مأسسة الفقر، وهناك فئة كبيرة في المجتمع يشتغلون في ضبابية اقتصادية وخارج الاقتصاد المهيكل".
واعتبر أمزيان أن "إشكالية العقليات تعيق أحيانا القدرة على تنفيذ مفهوم الدولة الاجتماعية، وفق خطاب جلالة الملك.. معتبرا أننا نحتاج لإعادة تحديد مبادئنا المشتركة حتى نسير بورش الدولة الاجتماعية إلى بر الأمان".