الدكتور الغاشي عصام*
منذ انتشار جائحة كورونا يعيش المغرب على غرار باقي الدول حالة سوسيو إقتصادية استثنائية ساهمت في الحد من فعالية الإنتاج و الإمدادات مما انعكس سلبا على قطاع المال و الأعمال و إصابة قطاعات اقتصادية أخرى بخسائر مادية فادحة.
و مع تسارع انتشار هذا الفيروس "كورونا المستجد" وطنيا بدأت تبعاته تظهر جليا على السوق المغربية و تأثرها خاصة و أن الاقتصاد المغربي يعتمد بصفة رئيسية على قطاعات حيوية من قبيل الفلاحة و السياحة و قطاع العقار.
و مما لا شك فيه أن "الصناعة العقارية" و قطاع التعمير في المغرب من أهم القطاعات المتأثرة بإنتشار هذا الوباء، و بالرغم من عدم وجود دراسة دقيقة لحجم الأضرار التي أصابت القطاع، باستثناء بعض الأرقام ذات الطابع الشمولي من قبيل توقع تراجع النمو الإقتصادي المغربي لأدنى مستواياته منذ 20 سنة تبعا لتصريحات المندوبية السامية للتخطيط.
و إزاء هذا الوضع الوبائي الخطير عملت الحكومة المغربية على إتخاد مجموعة من الإجراءات التي توضح إنعكاسات وباء فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد الوطني و تحديد الإجراءات المواكبة للرصد الآني للوضعية الاقتصادية ببلادنا.
و في الوقت الراهن، و تبعا للأوضاع الحرجة إقتصاديا يشهد القطاع العقاري حالة من الترقب جراء تداعيات الجائحة مما يفرض ضرورة تبني حزمة تدابير عاجلة من أجل إنقاذ هدا القطاع من الكساد و الأزمة، خاصة إذا ما علمنا أنه يواجه ركودا بالأساس منذ بضع سنوات في ظل تراجع القدرة الشرائية و ارتفاع الأسعار..
فما هي تداعيات كوفيد 19 على قطاع العقار بالمغرب ؟ و ما هي الإجراءات الكفيلة بإنقاذ هذا القطاع على المديين القريب و المتوسط ؟
أولا : تداعيات كوفيد 19 على قطاع العقار
شهد الاقتصاد الوطني وقعا إسثتنائيا هذه السنة لاعتبارات عدة سبقت انتشار جائحة كورونا، و مع انتشار هذا الوباء أرخت مجموعة من التداعيات الخطيرة ضلالها على الاقتصاديات العالمية و منها الاقتصاد المغربي.
فمن بين القطاعات الأكثر تضررا جراء هذه الجائحة نجد قطاعي العقار و التعمير، الذي شهدا تراجعا ملحوظا، بفعل توقف الأشغال و تراجع الطلب، و تأثره بالأزمة الاقتصادية العالمية بفعل ارتباطه بقطاعات اقتصادية أخرى.
حيث يساهم هذا القطاع الحيوي في الاقتصاد الوطني باعتباره قطاع جاذب للاستثمارات و قطب للتشغيل. اد تبلغ مساهمته بأكثر من 14 في المائة من الناتج الاجمالي الداخلي، و يوظف أكثر من مليون شخص بصفة مباشرة، و يستحوذ على حوالي 30 في المائة من الالتزامات المصرفية (حسب رابطة الإقتصاديين الإستقلاليين).
و في ظل غياب دراسة دقيقة و حصيلة لحجم الخسائر المادية التي لحقت القطاع العقاري ببلادنا بفعل انتشار الجائحة، نشير هنا إلى أن تأثير هذا القطاع واضح المعالم و يعرف ركودا في ظل تراجع القدرة الشرائية و توقف الاستثمارات و الأشغال التي وصلت إلى 90٪ ، وهو ما سيؤثر على الوضعية المالية للمقاولات العاملة بالقطاع و على الوضعية الاجتماعية للعاملين و المستخدمين بهذه المقاولات.
و على صعيد آخر يشهد القطاع تباطئا في حجم أنشطته، مما ينذر بأزمة قد تكون لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد الوطني خاصة إذا علمنا بأن القطاع يعرف إقبالا مفرطا على القروض الاستهلاكية و العقارية.
كما أن الإرتفاع المهول للمنتجات العقارية، و تراجع الطلب و الإستهلاك بفعل الجائحة سيسهل دخول القطاع لوضعية الركود على غرار باقي القطاعات الحيوية مثل السياحة و الفلاحة و الصناعة و غيرها.
في حين عبر مجموعة من المهنيين الذين أكدوا أن سوق الإسمنت بالمغرب سيعرف تراجعات مقلقة، حيث توقع رئيس مجلس إدارة هولسيم المغرب (دومينيك ددري ) في آخر خروج إعلامي له إستمرار إنخفاض إستهلاك الإسمنت في المغرب خلال السنوات المقبلة مشيرا إلى أن الإستهلاك سيعرف إنخفاضا بنسبة 3 ٪ أو أكثر.
و في ظل الأزمة الكبيرة و حالة الركود الذي يشهده قطاع العقار، سجل السوق الوطني تراجعا ملحوظا على اقتصاد السكن بأصنافه الثلاثة (الاجتماعي و المتوسط و الراقي). صاحب ذلك غياب رؤية حقيقية للحكومة للنهوض بالقطاع و عدم إفراجها على النموذج الجديد للسكن الاجتماعي و التصورات المصاحبة له، مما أذى إلى وضعية كارثية من نتائجها المباشرة الإختلال في التوازن بين العرض و الطلب.
و على صعيد آخر أدى إنتشار فيروس كورورنا بالمغرب، و ما صاحب ذلك من إجراءات وقائية تم اتخاذها لمواجهة الفيروس و الحد من تفشيه داخل المملكة، إلى توقف العمل في العديد من القطاعات كما هو الشأن بالنسبة لقطاع العقار بالمغرب، فقد أدى توقف الأشغال بسبب جائحة كورونا إلى إختناق قطاع العقار، مما نتج عنه تهديد جدي و خطير بفقدان الآلاف من مناصب التشغيل بالقطاع.
و في هذا الصدد دعت الفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين إلى اعتبار قطاع العقار واحد من القطاعات التي تواجه صعوبات كبرى جراء انعكاسات الأزمة الحالية على مختلف انشطته، وتمكين الفاعلين في القطاع من الولوج إلى آلية التمويل "ضمان أوكسيجين".
و كما سبق القول فإن القطاع يعرف مجموعة من المشاكل أثرت عليه سلبا قبل جائحة فيروس كورونا، غير أن حدة الأزمة زادت مع إنتشار هذه الجائحة. و هو الأمر الذي يهدد العديد من المهنيين (سواءا في مجال البناء من شركات البناء و المقاولات العقارية او على الصعيد المهني من قبيل المهندسين المعماريين - المهندسين الطبوغرافيين - مكاتب الدراسات الفنية - مكاتب المراقبة - قطاع التوثيق بشقيه العصري و العدلي، الخبراء. ستعرف تراجعا سيؤثر لا محالة على وضعية هده الفئات، و مما يزيد في تأزمها كونها غير معنية بصندوق ( ضمان أوكسجين).
و بفعل هده الوضعية فإن شراء المساكن لم يعد يعتبر من أولويات الأسر الضعيفة الدخل أو المتوسطة، مما سيؤثر بشكل كبير على القطاع سواء على المدى القصير و المتوسط أو الطويل.
نهيك عن كون الاقتصاد الوطني بأكمله يمر بأزمة سيولة قد تمنع الفاعلين بالقطاع من تنفيذ التزاماتهم و الوفاء بالمواعيد المالية و المرتبات و الضرائب.
و في هدا الإطار يدق مجموعة من الاقتصاديين ناقوس الخطر بفعل الأزمة الاقتصادية التي قد يعرفها قطاع العقار بالمغرب، إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة لحماية القطاع و إعادة النظر في العروض العقارية، خاصة مع انشغال القطاع البنكي بالأساس بتمويل الحاجيات الأساسية و الضرورية للمؤسسات و الأفراد.
كما أن تأثيرات الجائحة ستظهر أكثر على أعمال البناء لأسباب عدة بفعل نقص السيولة و تراجع التمويلات البنكية مما يعني معه عدم إنجاز المشاريع أو الإنتهاء منها وفقا للجداول الزمنية المحددة سلفا.
في اطار أخر نسجل تراجع مداخيل الإدارات و المؤسسات العمومية المتدخلة في العمليات و التصرفات العقارية من قبيل إدارة الضرائب و الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري و الخرائطية، و هو ما سيؤثر بشكل كبير على مداخيل خزينة الدولة جراء وباء كورونا. خاصة في ظل استمرار توقف نشاط عدد كبير من المقاولات و الشركات. مع العلم أن محاولات تقدير أثار الأزمة الصحية في الوقت الحالي لن تصيب الحقيقة لعدم وجود جدول زمني محدد للسيطرة على الفيروس، و بالتالي فلا يمكن قياس أبعاد التأثير الحقيقي للمرحلة على هدا القطاع حتى يتم احتواء انتشار الجائحة.
* الكاتب العام لمركز ابن بطوطة للدراسات و الأبحاث العقارية