محمد كويمن العمارتي٭
أثارت زيارة الأميرة للا سلمى لمقهى الحافة، إعجاب العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار أن الأميرة اختارت التوجه إلى هذا الموقع، دون سابق إشعار، بعد جولتها بالمدينة..
لكن الملاحظة التي أثارت الانتباه أكثر، أن الأميرة سرعان ما تراجعت عن فكرتها بالاستمتاع بمنظر إطلالة الحافة على الضفة الأخرى من المتوسط، بعدما لم تدم فترة زيارتها للمقهى سوى دقائق معدودة، في الوقت الذي كان سيلتحق بها ولي العهد، قبل أن تغادر المكان بسرعة، حين تفاجأت بواقعه مقارنة مع ما رسمته في مخيلتها عن مكانته التاريخية ورمزيته الفكرية والثقافية، التي ترسخت بفضل ارتباطه الوجداني بإبداعات كبار الأدباء والكتاب. وربما لو كانت تعلم السلطات المحلية مسبقا بزيارة الأميرة لموقع الحافة، لأنقدت الموقف، بتحويل رواد هذه المقهى من هواة "السيبسي والجوانات" إلى مثقفين يحملون الكتب بدل "الليبرو"، لكن في بعض الأحيان تأتي العفوية بما لا يشتهيه البروتوكول.
أن تبقى مقهى الحافة على طبيعتها، هذا هو المطلوب من تصنيفها كتراث من قبل وزارة الثقافة، كما أن نقبل بعدم الاهتمام بنظافتها واحتضانها أصدقاء ومحبي الحشيش، هذا أيضا مطلوب لكي نحدد مفهومنا للتراث، قبل أن نعمل على تسويقه في إشعاع مدينتنا بالطريقة التي اخترناها، على أن يتحمل كل طرف مسؤوليته..
ولعل مقهى الحافة إلى جانب مواقع أخرى عديدة، صارت تعكس التراث المصنف بالمدينة، وهذا مكسب إيجابي، تحقق بفضل مساهمة عدد من الغيورين على حماية تاريخ طنجة، إلا أن التصنيف يبقى خطوة أولى، وأساسية طبعا في سبيل الانتقال إلى خطوات أخرى، إذا كان الغرض فعلا صون الموروث الثقافي للمدينة، فليس قدرا أن تبقى مجموعة من المواقع الأثرية والتاريخية، إما مهددة بالانهيار أو مهملة أو يغلب عليها الطابع العشوائي، بعدما كان الاعتقاد أن طنجة الكبرى، لن تتخلى عن تاريخها، وتبادر إلى إصلاح وترميم مواقعها الأثرية..
نريد طنجة سياحية، ليس بالفنادق فقط، بل بمزاراتها التاريخية أيضا، التي يمكن توظيفها في استقطاب المزيد من الزوار من الداخل والخارج، فليس ضروريا أن تظل دائما رائحة البول، وليس شيء آخر، هي التي تدلنا على جدار بناية أثرية، حين يتعذر توفير الميزانية المطلوبة للإصلاح والترميم كلما تعلق الأمر بتأهيل المواقع التاريخية والأثرية المهملة، وتصطدم بواقع تداخل اختصاصات الجهات الوصية، ويقف الجميع في العقبة وليس حمار جحا وحده، في انتظار المطالبة بتصنيف بناية ولاية جهة طنجة وبناية مقر جماعة طنجة كتراث انتخابي..
٭عن أسبوعية "لاكرونيك"