عبد الحق الطالبي*
القاعدة القانونية التي تقول: “لا يُعذر أحد بجهله بالقانون” تبدو في ظاهرها دعامة لاستقرار النظام القانوني، لكنها في العمق قاعدة جائرة وغير واقعية، خصوصًا في المجتمعات التي تشهد هشاشة تعليمية، وضعفًا في الوعي القانوني، وتراكمًا للنصوص والتشريعات التي لا يستطيع حتى المختصون الإحاطة بها.
أولاً: أين العدالة في افتراض المعرفة المطلقة بالقانون؟
من غير المعقول أن نفترض أن كل مواطن، بغض النظر عن مستواه التعليمي، أو حالته الاجتماعية، أو ظروفه القروية، ملمّ بجميع القوانين والتشريعات، ومتابع لما ينشر في الجريدة الرسمية. بل إن كثيرًا من النصوص القانونية تُصاغ بلغة تقنية، يصعب حتى على طالب القانون أن يفهمها دون تأويل وشرح.
هل يُعقل أن نُعاقب فلاحًا بسيطًا، أو أرملة أمّية، فقط لأنهما خرقا نصًا قانونيًا لم يسمعا به في حياتهما؟
العدالة الحقة لا تكتفي بتطبيق القانون، بل تضع الإنسان في قلبه.
ثانيًا: الدولة مسؤولة عن جهل المواطنين بالقانون
إذا كانت الدولة تُفترض فيها الحماية، فهي أيضًا مسؤولة عن نشر المعرفة القانونية وتيسيرها للمواطنين. لكن الواقع مختلف:
*لا توجد سياسة حقيقية للتثقيف القانوني الجماعي.
*وسائل الإعلام نادرًا ما تبسط القوانين أو تشرحها.
*النصوص القانونية غالبًا ما تُنشر دون شروح، بل وبصيغة يصعب قراءتها.
في هذا السياق، فإن من غير العادل أن نُحمّل المواطن البسيط وزر جهلٍ ساهمت الدولة نفسها في إنتاجه.
ثالثًا: التمييز بين الجهل المتعمد والجهل الفعلي
ينبغي أن نُميّز بين شخص تجاهل القانون رغم قدرته على الاطلاع عليه (وهو مُلام)، وبين من لم تكن لديه الوسائل أو المعرفة أو السياق الذي يتيح له الفهم والمعرفة.
المحاسبة تكون عادلة فقط عندما يكون الامتناع عن المعرفة اختياريًا. أما الجهل الناتج عن الحرمان والتهميش، فلا ينبغي أن يُدان.
رابعًا: القاعدة تُستخدم أحيانًا للتضييق لا للتنظيم
تُستخدم عبارة “لا يُعذر أحد بجهله بالقانون” كثيرًا لتبرير قرارات صارمة في حق مواطنين بسطاء. لكنها لا تُطبق بالقدر نفسه على أصحاب النفوذ أو من يتلاعبون بالثغرات القانونية، بل قد يستفيدون من جهل غيرهم.
وهنا تظهر اللامساواة الواضحة في تطبيق القانون، مما يفرغ القاعدة من مضمونها الأخلاقي.
إن العدل الحقيقي يقتضي أن نقول:
“يُعذر الجاهل بالقانون إذا كان جهله غير ناتج عن إهمال، بل عن ظروف خارجة عن إرادته.”
* محام متمرن بهيئة المحامين بطنجة