أخر الأخبار

حجاوي.. القصة الكاملة لمحتال ضالع في النصب وتبييض الأموال مطارد بأوروبا

طنجاوي - نقلا عن صحيفة "الصباح"

 

برز اسم مهدي حجاوي وسط موجة متصاعدة من قضايا النصب والاحتيال التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة، باعتباره أحد أكثر الأسماء إثارة للجدل والغموض، فبعيدا عن صورته التي يحاول تسويقها بعد فراره من المغرب تكشف الوقائع والشهادات أن حجاوي شكل على مدى سنوات محورا الشبكة معقدة من الاحتيال والارتباطات المشبوهة امتدت آثارها لتطول ضحايا في الداخل والخارج ولتثير تساؤلات عميقة حول الغاية من تحركاته المتعددة في أوربا.

ما يجعل قضية حجاوي غير عادية لا يكمن فقط في حجم الأموال التي يشتبه في استيلائه عليها والتي قدرت بملايين الدراهم، بل في الطريقة المنهجية التي اعتمدها في بناء شبكة من الثقة الزائفة مع شخصيات في أوربا تجمعها محاولة ابتزاز المغرب من فنانين وصحافيين ورجال أعمال، مستغلا حقدهم على المغرب، علما أنه ليس مجرد نصاب تقليدي، بل اشتغل بذكاء على تسويق نفسه بالمزج بين "البريستيج" الاجتماعي وادعاء أنه مسؤول أمني كبير.

 

الأخطر أن تحركاته لم تكن دائما فردية فباستثناء المساعدين الذين تكشف معطيات "الصباح" أنهم يسهلون له تحصيل التحويلات المالية أو ترتيب اللقاءات في أوربا، تبرز مؤشرات قوية على علاقات غامضة بحلقات في الخارج، ما جعل البعض يتحدث عن احتمال تورط أجهزة خارجية أو شبكات دولية في تحصينه وتوجيهه لأهداف قد تتجاوز النصب إلى ما هو أخطر، استهداف أمن المغرب.

في المقال التالي نقدم صورة متكاملة عن مهدي حجاوي من خلال تفاصيل قضيته ومسار النصب الذي اتبعه، كما تكشفه الشكايات الرسمية وشهادات الضحايا، وتحركاته بين العواصم، وثانيا، تفكيك الشبكة التي تحيط به وعلاقاته الخارجية، بما في ذلك ارتباطاته المحتملة بجهات تحميه أو تستثمر فيه، وثالثا، بورتري تحليلي لشخصيته وسلوكه النفسي والاجتماعي، كما عكسته شهادات المحيطين به وطرائق تعامله مع المال والشهرة.

 

مذكرة اعتقال دولية

لم يكن اسم حجاوي متداولا على نطاق واسع داخل المغرب أو خارجه إلى حدود 2024، حين أصدرت السلطات المغربية مذكرة اعتقال دولية في حقه، تتضمن لائحة ثقيلة من التهم، تتراوح بين النصب والاحتيال والتزوير وتكوين عصابة إجرامية، وغسل الأموال، واستعمال جوازات سفر مزورة وانتحال صفة موظف سام في أجهزة الدولة إلا أن هذه اللائحة لا تعكس سوى قمة جبل الجليد في قضية معقدة ومتعددة الوجوه كشفت عن نشاط احتيالي امتد سنوات طويلة، واتخذ أشكالا متطورة للإيقاع بالضحايا داخل المغرب وخارجه.

وحسب المعطيات المتوفرة، فقد كان حجاوي موظفا عاديا في المديرية العامة للدراسات والمستندات، إذ لم يكن يتقلد أي منصب قيادي أو إستراتيجي، بل كان يكلف بمهام تنفيذية عادية، إلى أن تم إعفاؤه من مهامه في 2010، في ظروف توصف بأنها مرتبطة بـ"تجاوزات جسيمة، وسلوك غير منسجم مع أخلاقيات المؤسسة، حينها فتح الباب أمامه للخروج، فقرر أن يغلقه على ماضيه ويبدأ حياة جديدة، ليس بالاجتهاد أو إعادة البناء، بل بالاحتيال وتزوير الهويات والصفات.

وشرع حجاوي في تقديم نفسه مستشارا أمنيا، مدعيا صلاته المباشرة بصناع القرار في المغرب، ومروجا لنفسه باعتباره قناة غير رسمية للوصول إلى امتيازات وإقامات وفرص تجارية داخل المغرب وخارجه، فوفق المعطيات نفسها، فقد استغل حجاوي هذا الغطاء الزائف في الإيقاع برجال أعمال مغاربة داخل وخارج الوطن، مقنعا إياهم بأنه قادر على ترتيب الأمور" مع مسؤولين في باريس أو الرباط مقابل مبالغ مالية ضخمة.

إحدى أبرز القضايا المسجلة ضد حجاوي تتعلق بثلاثة رجال أعمال مغاربة سلموه ما مجموعه 700 مليون سنتيم مقابل وعود بالحصول على الجنسية الفرنسية، ومواعيد مفترضة مع شخصيات سامية مغربية في باريس، وطبعا لم تتحقق الوعود، ولم تسترجع الأموال، وتم تسجيل شكايات رسمية في الموضوع، لتبدأ فصول ملف قضائي يتسع كلما ظهرت ضحية جديدة أو تمت مراجعة حساب مصرفي مشبوه.

بالإضافة إلى عمليات النصب هذه ربطت التحقيقات حجاوي بشبكات تنشط في غسل الأموال على المستوى الدولي، من خلال استخدام حسابات بنكية في بلدان متعددة، وتمرير مبالغ مالية ضخمة بطرق مشبوهة، كما تشير التقارير إلى تورطه مع عناصر إجرامية دولية المعروفة بصلاتها بعصابات احتيال تنشط بين أوربا وأمريكا الشمالية وإفريقيا.

ودفعت كل هذه المعطيات السلطات المغربية إلى إصدار مذكرة اعتقال دولية في شتنبر 2024، في وقت كانت فيه السلطات الإسبانية أيضا بصدد متابعته على خلفية تهم تتعلق بجوازات سفر مزورة ووثائق إقامة مزيفة، ما جعل قضيته تخرج من النطاق الوطني إلى الساحة الدولية.

 

الهارب من ماضيه ببطولات وهمية

في كتابه المفتوح على كل الأوهام يقدم مهدي حجاوي نفسه مزيجا من العميل السري والمعارض السياسي ورجل الأعمال النافذ، والمستشار في أن واحد، لكنه في الواقع، ليس سوى شخص تائه في غاية الأكاذيب التي نسجها حول ذاته، يبحث عن ماوى في عواصم لا تمنح الحماية دون مقابل ولا تصدق الحكايات دون وثائق.

بدأ رحلته في باريس، ومن هناك بدأ يختلق لنفسه سيناريوهات هروب يراها القرب إلى أفلام التجسس الردينة، إذ يظن أن النادل في المقهى عميل مزدوج، وأن الشرطي في الزاوية يلاحقه، وأن فندقا يضح بالكاميرات المخفية... وهكذا استمر في تمثيل رواية لم يطلب منه أحد أن يؤديها.

لكن سرعان ما بدأت تتساقط أوراق الوهم، ففي اليوم الذي خرج فيه الإعلام بمقال بعنوان "مهدي حجاوي : النصاب المرضي خلف قناع العميل النخبوي تم فيه تفنيد كل ادعاءاته، مدعوما بمعطيات رسمية، وشهادات ضحايا وتحقيقات مالية موثقة، فالمقال أشار بوضوح إلى أن حجاوي هو فاعل في شبكة إجرامية متعددة الجنسيات تورط في قضايا نصب، وتزوير وتبييض أموال، وانتحال صفات.

لقد أراد حجاوي أن يقدم نفسه بطلا، لكنه كان يركض من محكمة إلى أخرى، وأراد أن يرى باعتباره منشقا سياسيا، لكنه في الحقيقة مطارد بجواز سفر مزور، وأن يعامل شخصية أمنية مرموقة، لكنه لم يتعد أن يكون موظفا صغيرا طرد بسبب أخطائه.

الحقيقة تقول إن الاستخبارات ليست رجلا واحدا، بل مؤسسة متكاملة، موزعة الأدوار بدقة، ولا أحد يمتلك مفاتيح الدولة بمفرده، وإن كان حجاوي يحاول الظهور وكانه المستودع الشامل لأسرار المغرب، فإن كل المؤشرات تشير إلى أنه لا يملك حتى مفاتيح شقته.

فمن يختبئ في الخارج متوسلا اللجوء، وبعرض خدماته لمن يدفع أكثر لا يمكنه أن يكون خازن الأسرار، بل مجرد شخص يحاول النجاة ببطولة زائفة.

وفي عالم الجريمة، ما من بطل فقط فاعلون متورطون وملفات ثقيلة لا تسقط بالتقادم.

 

رجال أعمال ودبلوماسيون في فخ النصاب

يتلخص مسار مهدي حجاوي في جملة واحدة الابتزاز والنصب، إذ أصبح اسمه مرادفا للاحتيال المتقن والانتحال الممنهج، ولم تكن مسيرته السابقة موظفا أمنيا عادية، بعدما تم عزله مرتين بسبب سلوكيات غير مهنية، آخرها في 2010، لكن المثير أن هذه الخلفية هي ما وظفها لاحقا ليبني حول نفسه هالة من النفوذ المزعوم. 

 

انتحل حجاوي صفة مستشار ملكي وأحيانا رجل استخبارات في مهمات خاصة وكان يدعي قربه من شخصيات عليا في الدولة، ولأنه محتال محترف، فقد استغل أسلوبا لبقا لإقناع ضحاياه من رجال أعمال ودبلوماسيين بأنه قادر على فتح الأبواب المغلقة وتسهيل المشاريع الكبرى وحتى الحصول على جوازات سفر دبلوماسية.

وتورط حجاوي في عدة قضايا، منها بيع مشاريع وهمية واستثمارات غير موجودة مقابل مبالغ مالية ضخمة، ومع مرور الوقت، راكم ضحايا في الداخل والخارج، قبل أن تصدر المصالح الأمنية في شتنبر 2024 مذكرة اعتقال دولية بحقه تتضمن تهما ثقيلة من قبيل الاحتيال وتكوين عصابة إجرامية، وتزوير وثائق وتسهيل الهجرة غير الشرعية.

المفارقة أن حجاوي، في خضم كل ذلك، ظل يقدم نفسه في بعض المنابر الأجنبية منفيا سياسيا"، في محاولة فاشلة لتأثيث صورة ضحية، بينما الوقائع تفضحمسارا إجراميا محكما.

 

علاقات خارجية بين الزيف والتوظيف الدعائي

ما أضفى على قضية مهدي حجاوي طابعا خاصا هو محاولاته الحثيثة لإقحام نفسه في لعبة الجغرافيا السياسية، وادعاؤه المبالغ فيه بأنه ضابط كبير"، و"منشق، ومستهدف من أجهزة الأمن، وهي مزاعم روج لها عدد من الأصوات الإعلامية في الخارج الذين نشروا فيديوهات وتدوينات قدموا فيها حجاوي على أنه كولونيل ماجور سابق، وأنه يعيش في المنفى خوفا على حياته، إلا أن المعطيات تكذب هذه السردية جملة وتفصيلا إذ تؤكد عدة وثائق أن حجاوي لم يكن عسكريا من الأصل، ولا يحمل أي رتبة عسكرية، بل كان موظفا عاديا وتم فصله في تونبر 2010، بسبب سلوك غير منضبط وسلسلة من الخروقات، بل إن مؤهلاته الدراسية لا تؤهله حتى لولوج أي مسؤولية، إذ لا يتجاوز مستواه باك + 2 حصل عليه من فرنسا.

ومن بين المحطات المثيرة في قضيته، تلك المتعلقة بالصورة المتداولة له وهو يرتدي بذلة أمنية إذ أكدت مصادر أمنية أن الصورة مفبركة، والبذلة غير مطابقة للبذلات النظامية المغربية، ناهيك عن أن حجاوي يظهر فيها بلحية غير معتادة في الصور الرسمية، مما يضفي على المشهد كله طابعا من التهريج البصري المقصود الذي يهدف إلى تمرير رواية مزيفة لا تقف أمام أي تمحيص بسيط.

ويظهر جليا أن حجاوي يحاول تقديم نفسه ورقة قابلة للتفاوض في أيدي أطراف خارجية تارة باعتباره خازن الأسرار، وتارة أخرى ضحية مفترضة لتصفيات داخل أجهزة الدولة وهي سرديات تتجاهل أن الأمر لا يتعلق بخلافات داخلية، ولا بملف سياسي بل بمسار احتيالي موثق بالأدلة والشهادات الرسمية، جعل القضاء المغربي، ونظيره الإسباني، يتحركان المحاصرته جنائيا.

ويرى بعض المراقبين أن جهات إعلامية خارجية وأخرى استخباراتية تحاول استغلال حجاوي لتأثيث روايات مضادة تهاجم المغرب، أو تربك صورته المؤسساتية، عبر تحويل مجرم معتاد إلى معارض سياسي ، وهو ما فشلت فيه أمام صرامة الوثائق القضائية، ووضوحالمسطرة القانونية المتبعة.

 

وهم السلطة وتبييض الأموال

لم يكن مهدي حجاوي مجرد نصاب عاد، بل واجهة لشبكة معقدة من المصالحوالارتباطات التي تمتد بين المغرب وإسبانيا، وربما أبعد من ذلك، فالرجل الذي لاحقته مذكرة اعتقال دولية في 2024، لم يتهم فقط بالاحتيال والتزوير، بل كشفت قضيته عن خيوط شبكة منظمة ذات امتدادات قانونية وإدارية مشبوهة.

وتشير عدة معطيات إلى علاقة وثيقة ربطت حجاوي بأحد القارين من العدالة المغربية، الذي سبق أن أثير اسمه في ملفات تبييض أموال ونصب على مستثمرين. مشيرة إلى أن شريك حجاوي كان يسوق له باعتباره مستشارا نافذا، مما أتاح له فرصا ذهبية للإيقاع بمستثمرين جدد، عبر عروض مزيفة المشاريع عقارية ضخمة.

ولم تتوقف العمليات عند مستوى النصب التقليدي، بل شملت أيضا تهريب افراد عبر تقديم وعود بهجرة قانونية وتسهيل الحصول على إقامة أوربية أو جنسية اجنبية مقابل مبالغ مالية، وهي العمليات التي تتم تحت غطاء علاقات نافذة ومعارف عليا، ما جعل الضحايا يترددون في التبليغ خوفا من الانتقام أو السخرية من سذاجتهم".

الخطير في هذا الملف أن حجاوي ظل يقدم نفسه كا ملاحق سياسي لتضليل الرأي العام الدولي، مستفيدا من منابر إعلامية خارجية لا تتحقق من الوقائع، إلا أن تسارع الأحدا ع الأحداث وتراكم الأدلة جعلا من المستحيل استمرار هذا القناع، لتظهر شبكة نصب متقنة التنظيم، كانت تستثمر في وهم السلطة أكثر من أي شيء آخر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي 'tanjaoui.ma'

تعليقات الزوّار (0)



أضف تعليقك



من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

أخر المستجدات

تابعنا على فيسبوك

النشرة البريدية

توصل بجديدنا عبر البريد الإلكتروني

@