طنجاوي
يبدو أن "مناضل" الريف أو "زعيم الحراك" كما يحب البعض أن يسميه كان محقا في تنبؤاته ب"الوفاة" في الأيام القليلة الماضية، فقد خرج هذا الأخير في المباشر على صفحات "الفيسبوك" ليعلن لأتباعه تعرضه لمحاولة "اغتيال" من طرف ثلاث "بلطجية"، "مقرقبين"، تزخرف أجسادهم ضربات السكاكين التي تلخص ماضيهم الإجرامي، لولا أن نفذ بجلده. وقد رفع "الزعيم" هذه المرة سقف تحديد المسؤوليات، التي يوزعها خبط عشواء يمينا وشمالا، تارة في اتهام الأحزاب السياسية و مؤسسات الدولة، وتارة بتسمية شخصيات تترفع عن متابعته في اطار دعاوى قضائية مشروعة في حقه متعلقة بالقذف أو السب والشتم، ليحمل المسؤولية هذه المرة عن سلامته الجسدية لملك البلاد شخصيا.
من الواضح أن "الزعيم" يحتضر بالفعل، لكنه يحتضر فكريا، بعدما نفذ رصيده من المفردات "الطنانة" من قبيل "دولة القمع" و"المخزن" و "الديكتاتورية" التي تثير حماسة الشباب "الساخط" على الأوضاع الاجتماعية، وبعدما انكشف للرأي العام خطورة المشروع الذي يشارك فيه عن علم أو بدونه، لخلق بؤرة توتر ببلد يعتبر الناجي الوحيد بالمنطقة المغاربية من حرب خبيثة تقودها أطراف مجهولة، لكن يوحدها هدف واحد هو الإجهاز على البناء الديمقراطي للبلاد وتعطيل مسيرته التنموية.
"الزعيم الزفزافي" كما يدل على ذلك اسمه، والذي يحمل بين طياته العديد من الدلالات والمعاني، بدأ يستشعر خطر العزلة خاصة بعد تفطن العديد من الفعاليات والفئات المثقفة من أبناء الريف لتعدد المتدخلين في "الحراك الشعبي" وتنوع أطيافهم، واختلاف أهدافهم، وهو ما جعلهم ينعزلون عن "الحراك" للتفكير بهدوء بعيدا عن "التقرقيب" الذي يشوش على التفكير السليم، فأصبح بمقدورهم رؤية "الاحتجاجات" من زاوية أخرى أكثر وضوحا، فقرروا الانسحاب من "الحراك الشعبي" الذي أصبح باديا للعيان أنه حاد عن مساره. ففي الوقت الذي بدأت فيه الاحتجاجات للمطالبة بمطالب اجتماعية مشروعة من قبيل توفير فرص الشغل والصحة والتعليم والتشجيع على الاستثمار بالمنطقة وغيرها من المطالب المحددة والمعقولة، والتي أبدت الدولة تجاوبا معها، على أساس البدء في التفعيل بخطة تنمية شاملة في اطار زمني يقبله العقل، بدأ "الزفزافي" وأتباعه في الرفع من سقف هذه المطالب لتشمل مفاهيم فضفاضة غير مفهومة من قبيل "رفع العسكرة"، على الرغم من أن الاحتجاجات استمرت لمدة تتجاوز الستة أشهر دون أن نلحظ وجود عسكري واحد بالشارع العام، لكننا لا نستغرب لهذا الأمر لأننا نفهم أن مشروع "الزفزافي" وأتباعه تلخصه العبارة المقتبسة من "داعش" "باقي ويتمدد"، أي أنه مرض يزرعه هؤلاء في منطقة الريف، ويحلمون بانتشار وبائهم بكافة ربوع الوطن.
لقد كان "الزعيم" يطمح أن تتعامل الدولة مع "الحراك الشعبي" بصرامة منذ مدة، ليلعب دور "البطل" و "الضحية"، فغلب على خطاباته مصطلحات من قبيل "قوات القمع" و "الاعتقالات" "ومحاولات الاغتيال"، وهي أوراق دعائية محروقة أكل الدهر عليها وشرب، لكنه تفاجأ بأن الديمقراطية في بلدنا واقعا معاشا، وحرية التعبير حقا مكفولا، ما دامت المطالب قانونية ودستورية وان كانت غير واضحة الملامح ولا بريئة، وهو ما سمح باستمرار الاحتجاجات لأكثر من ستة أشهر، بدون أي مضايقات إلا ما خرج منها عن اطار القانون.
"الزفزافي" وأتباعه يزعجهم تعامل الدولة مع "الحراك" بهذا المستوى من الرقي، في مواجهة أطماع داخلية وخارجية، يتحمل فيها الجميع مسؤوليته التاريخية، وبدأت الأفكار تنفذ منه، حيث كانت آخرها فكرة تعرضه لمحاولة الاغتيال من طرف الدولة، والذي لا يعلمه "الزعيم" أن من يصفهم ب"قوات القمع" المنتشرين في أطراف الحسيمة ونواحيها، هم الأحرص على حماية حياته وحياة باقي المواطنين، لأنهم أدو القسم لحماية هذا الوطن بأهله، و يعلمون كذلك أن من يسعى لزرع الفتنة في هذا البلد لا يُسْتَبْعَدُ أن يلعب ورقة التخلص من "بيدق" محروق وإلقاء اللوم على كاهل الدولة.
لقد أصبح "الزعيم" يهذي، ولم تعد تنفعه "سفسطائيته" و"علم الكلام" المفرغ من أي محتوى عقلاني والمفتقد لأقل مكونات المنطق السليم، بعد أن انكشف مشروعه "الزفزافي" الذي يهدف للإتيان على الأخضر واليابس، فبدأ يمل ركاكته وتكراره لنفس التعابير مفرغة المحتوى، ليخرج علينا بشكل نضالي جديد استخدم فيه "تقرقيب" الأواني وشعارات "طن طن"، وهو الشكل الذي لا يختلف كثيرا عن باقي أشكاله النضالية وخطاباته الركيكة، فلم يلحظ المتتبع إلا تغييرا طفيفا في استخدام الوسيلة، اذ لا يوجد فرق بين "تقرقيب" الأواني وضوضاء الزفزافي، الذي يهدف إلى خلق جو من الفوضى والتشويش على العقول النيرة التي تحتاج نوعا من الهدوء للتفكير بعمق، وفهم ما يجري داخل وخارج "الحراك".
إن "الزعيم"، زعامة الذل والعار، بدأ يحتضر، وساعاته المتبقية بدأت تنفذ، وتكشف للعيان بهتانه وضلاله، وسرعان ما سيجد نفسه وحيدا بعد أن تخلى عنه مريدوه ليبحثوا عن أوراق جديدة صالحة للعب، ومسألة "اغتياله" بدت وشيكة، لكن ليس من طرف الدولة "عشم إبليس في الجنة"، بل سَتُغْتَالُ أفكاره السامة الفاقدة لكل مصداقية، في ظل مجتمع مغربي ثابت، أثبت التاريخ أنه تصدى لكافة المشاريع الظلامية، واتحد في مواجهة كافة الأطماع الخارجية، وليسجل التاريخ مع أي فيلق أنت، أصاحب عقل لبيب أم حامل أواني و"تقرقيب".